فيصل الحبردي's Reviews > الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان

الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان by عبد الوهاب المسيري
Rate this book
Clear rating

by
46740373
's review

it was ok

مراجعة: فيصل الحبردي، 10 أبريل 2021.

موضوع الكتاب الرئيسي كان (والذي من الواضح جداً أن الدكتور المسيري معجب فيه لأنه كرره كثير وبشكل ممل) هو: الواحدية المادية، ويقصد بالواحدية غياب الثنائيات (الخالق والمخلوق، الإنسان والطبيعة، الخير والشر.. إلخ) فأصبح لا يوجد شيء سوى الطبيعة أو المادة تتساوي فيها كل المخلوقات، أو كما يسميه: المطلق العلماني النهائي، هو يسمى المستوى هذا (القانون الطبيعي) -تتساوى فيه كل الكائنات-، والغريب أن هذا التعريف يتناقض تماماً مع كل من استخدم هذا القانون وأولهم شيشرون (فيلسوف عاش قبل الميلاد) مروراً بفلاسفة القانون الطبيعي لوك وهوبز وروسو.. شيشرون ولوك مؤمنين أساساً ويرون أن قانون الطبيعة هو القانون اللي تحكمنا الإلهة من خلاله، فكيف أصبح قانون مادي لا يعترف بالقيم والأخلاق وهو نفس القانون اللي من خلاله صاغوا هؤلاء الفلاسفة وطوروا فكرة حقوق الإنسان والتعاطف والتعاقد والحريات؟ واضح جداً أن المسيري متأثر بمدرسة فرانكفورت وماركوزه تحديداً وكتابه الإنسان ذو البعد الواحد، لكنه انتقائي في طرح هذه الأفكار بفصلها عن ظروفها وتعميمها على الواقع الغربي كاملاً بشكل يدعم وجهة نظر محددة.

طبعاً هو يرى أن النيتشوية والنازية هي ترجمة لأفكار داروين، وداروين المسكين بريء من ذلك، داروين يتكلم عن الانتخاب الطبيعي واستمرار (البقاء) الأصلح، ونيتشه وهتلر يقولون البقاء للأقوى، كان كعالم أحياء يحاول يفسر الظواهر البيولوجية المترابطة بين المخلوقات.. ماله علاقة لا بمادية ولا بمعادات الأديان وأصلاً مات وهو مؤمن، ولو علم أن نيتشه وهتلر بيحرفون فلسفته ويستخدمونها هالاستخدام كان ربما تراجع عنها.

الطامة الكبرى في الكتاب هي حين كتب المسيري يقول" الفلسفة الداروينية التطورية تشكل اللبنة الأساسية في الرؤية الغربية الحديثة للعالم!" والتي تنتهي بتربع الرجل الأبيض على قمة الهرم، ويصبح الرجل الأبيض هو مركز الكون! الفكر العرقي وأن الإنسان الأبيض هو آخر حلقات التطور، هي أفكار قال بها فلاسفة مثل جون ستيوارت ميل وغيرهم.. وتوجها هتلر بأديولوجيا تفوق العرق الآري، لكن تبقى هذه الأفكار شاذة ولا تمثل شيء في الواقع الغربي، مثل أفكار نيتشه وارسطو عن المرأة، لا يوجد نموذج واحد في الغرب يطبق ذلك. كيف تصبح الداروينية وسيادة الرجل الأبيض هي اللبنة الأساسية للرؤية الحديثة وهنا نرى الهنود يغزون البيت الأبيض، وصادق خان يصبح حاكم لندن، ونرى أوباما ذو الأصول الأفريقية يتربع على كرسي رئاسة أقوى دولة "غربية" بالعالم!! هذا من غير المهاجرين الذين يمثلون ربع سكان أوروبا! الأفكار الليبرالية هي من تمثل اللبنة الأساسية للرؤية الغربية، ونحن لسنا أغبياء نجهل ما يدور حولنا، نستطيع أن نرى في المناسبات الثقافية والرياضية شعارات نبذ العنصرية، الإعلام ينبذ العنصرية، الأفلام تقحم الملونين فيها لترسيخ فكرة التعددية، الأغاني تهاجم العنصرية، لاعبي كرة القدم يحملون شعارات تشجب العنصرية على قمصانهم. أين الرؤية التطورية العنصرية؟؟ حتى الذين يرون ذلك ممن يحملون أديولوجيا الـ "وايت سبرميسي" تفوق الرجل الأبيض، يعتبرون إرهابيون في نظر المؤسسات الغربية السياسية مثل حادثة مسجد كاريستشرتش في نيوزيلندا وإبادة الطلاب في النرويج، وكان الدافع من وراء أفعالهم ليس تطوري وإحساس بالتفوق، بل الدافع كان مقاومة لتكاثر المهاجرين والمسلمين خصوصاً وتضاءل وجودهم، فكانت أفعالهم العدائية تبيان وتشديد على موقفهم من ذلك. حين سلموا أنفسهم للسلطات، اعترفوا بذلك.

الإشكالية الثانية في الكتاب هي الهجوم على العلمانية وربطها بكل ماهو قبيح في العالم الغربي. لا مانع لدي في أن تنتقد العلمانية مثل باقي المفكرين، لكن أن تصف العلمانية أنها "منظومة مادية" ثم تدعي أن نتيجها الحتمية هي "علمنة الإنسان" الغربي هو محض ادعاءات، رغم أنه ضرب أمثله كثيرة في الغرب لكن كل الأمثلة ربطها بالأفكار الشاذة والأديولوجيات المتطرفة، فأمثلته كانت الأديولوجيا النازية وهتلر (النازي العنصري الذي حاربوه الغرب أنفسهم كلهم)، والأفكار الشاذة هي بعض أفكار نيتشه (الفضيلة هي القوة والأخلاق من صنع الضعفاء إلخ)، وهي أفكار لا يتبناها الغرب مثل ما ذكرت في الجزء السابق في المراجعة.

وأساساً استخدام مصطلح "العلمانية" هكذا لا يشي بالكثير، هناك دول علمانية متدينة مثل تركيا، وعلمانية ديموقراطية مثل أغلب دول الغرب، وعلمانية دكتاتورية مثل روسيا، وعلمانية صلبة متطرفة مثل الصين. لكن العلمانية عند المسيري تعني (لا أخلاق لا قيم لا مشاعر لا إنسانية).

وإذا أردنا معرفة ماهي العلمانية، نستطيع ببساطة أن نبحث عن تاريخ نشوء هذا المصطلح، فالعلمانية ببساطة نشأت لمقاومة السلطة المستبدة ممثلة بالكنيسة للتحكم والتسلط على الشعب. فقامت هذه الحركة لعزل السلطة عن الدين -عكس التعريف الشائع أن العلمانية هي فصل الدين عن الدولة، والواقع أنها تدعو إلى فصل الدولة عن الدين- وعدم التدخل في اعتقاداتهم وشعائرهم الدينية، مثل البروتستانت واليهود في أوروبا اللي كانت الكنيسة الكاثوليكية تتسلط عليهم ولا تسمح لهم بممارسة شعائرهم علانية على الأقل.

أما بالنسبة لـ "الإنسان العلماني" فلا يوجد شيء اسمه "إنسان علماني!" العلمانية هي نظام حكم لتنظيم شؤون الدولة والمجتمع، ماذا يعني بالضبط "إنسان علماني!!" لا أدري، لكن أظنه يقصد الإنسان المجرد من إنسانيته (لا أخلاق لا قيم ..إلخ)، وهذا وصف للإنسان السيكوباثي وليس الإنسان الغربي.

ومن الواضح جداً أن المسيري -حسب شرحه وضربه للأمثلة- أنه يخلط بين العلمانية والنفعية، لأن النفعية تتوائم تماماً مع الأفكار التي يتحدث عنها (الغاية تبرر الوسيلة، المصلحة والنتائج العملية مقدمة على كل القيم والأخلاق، حوسلة الإنسان.. إلخ).

الأمر الآخر، هو خلطه بين الإنسان الطبيعي والإنسان المادي، لأنه يستخدم عبارات مثل (الإنسان المادي/الطبيعي)، فهو يشبهها ببعض، وهذا غير صحيح، لأن الإنسان الطبيعي هو ببساطة الإنسان في حالة الطبيعة البعيد عن مظلة المجتمع المدني والدولة، وهذا حسب تعريف أبرز فلاسفة عصر التنوير مثل لوك وروسو وهوبز.. والإنسان المادي (حسب رأيي وعلى ما يبدو رأيه) هو الذي لا يهتم سوى بالمادة والمقابل (البراغماتي تقريباً)

وأخيراً استدلال المسيري رحمه الله بـ(قال أحد الباحثين، وحسب إحدى الدراسات، وقال أحدهم) هو أسلوب غير منهجي في تدعيم وجهات النظر ولا يليق بمفكر في مثل منزلته. ولا عجب أن الذين لديهم ميول فكرية إسلاموية مثل أحمد السيد والعجيري، يرون في المسيري المرجع الفكري الساحر.. شيطنة الغرب وتحميلهم أسباب تخلفنا عندهم حاجة شيقة ولذيذة مثل الحلاوة اللي تذوب في أفواه الأطفال.
4 likes · flag

Sign into Goodreads to see if any of your friends have read الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان.
Sign In »

Reading Progress

Started Reading
April 10, 2021 – Finished Reading
April 15, 2021 – Shelved

Comments Showing 1-2 of 2 (2 new)

dateDown arrow    newest »

Nawar Youssef بالفعل الخلط بين المصطلحات شغّال، و الاستنتاجات الخاطئة كثيرة، حتى انا مبتدئ جدا في الفلسفة و ثقافتي عادية، اجد العديد اللغط و الاخطاء بشكل مزعج لذا لم استطع اكماله. انت بالضبط ذكرت ما اريد قوله بشكل رائع، و منهج علمي فلسفي اكتر من المنهج المستخدم بالكتاب.


فيصل الحبردي المشكلة أخي الفاضل أن مثل هذه الأفكار تلقى رواجاً عند الكثير ممن يشعرون بالخيبة من واقعهم العربي.. وهذا لا يقدم لهم حلول أو يحسن من أوضاعهم.. بل يملؤهم بالمزيد من الحقد والبغض


back to top