What do you think?
Rate this book
240 pages, Paperback
First published January 1, 2002
نبدأ بملخص بسيط جدا جدا لافكار الكتاب :
هل الانسان متفرد بطبيعته البشرية ام مجرد عنصر مادى من عناصر الطبيعة؟
هل هناك مرجعية متجاوزة للطبيعة والمادة ام مجرد احادية مادية مسيطرة على الكون بما فيها الانسان؟
د عبد الوهاب المسيرى يشرح فى الكتاب مفهوم الفلسفة المادية والنظرة المادية للكون والانسان فى غياب المرجعية المتجاوزة والمتمثلة فى الإله وفى رأيى انه فندها تماما وفند اشكاليتها واخطاءها.
عن الانسان:
هو كائن قادر على تطوير منظومات اخلاقية غير نابعة من البرنامج الطبيعى المادى الذى يحكم جسده واحتياجاته المادية وغرائزه وهو قادر على الالتزام بها وخرقها وهو الكائن الوحيد الذى طور نسقا من المعانى الداخلية والرموز التى يدرك من خلالها الواقع.
يقول المسيرى بان هناك ادعاء لاصحاب النماذج التراكمية الآلية المادية بان هناك انسانية واحدة ترصد كما ترصد الظواهر الاخرى وبان الناس كيان واحد وانسانية واحدة خاضعة لبرنامج بيولوجى وراثى واحد عام وهو امر يتنافى مع العقل ومع التجربة الانسانية ومع احساسنا بتركيبتنا وتنوعنا الانسانى.
يتحدث المسيرى فى البداية عن المرجعية النهائية بشكليها : المتجاوزة والكامنة فالمرجعية النهائية هى المبدأ الواحد الذى نرد اليه كل الاشياء وهى المطلق المكتف بذاته و��لذى يتجاوز الافراد والاشياء والظواهر وهو الذى يمنح العالم تماسكه ونظامه ومعناه ويحدد حلاله وحرامه وهى اعلى مستويات التجريد.
• المرجعية المتجاوزة: فى النظم التوحيدية هى الإله ا��منزه عن الطبيعة والتاريخ الذى يحركهما ولا يحل فيهما ويجب ان تكون هذه المرجعية نقطة خارج عالم الطبيعة ومتجاوزة لها.
• المرجعية الكامنة : تكون كامنة فى العالم (الطبيعة او الانسان) وفى اطارها ينظر للعالم بانه يحتوى بداخله على ما يكفى لتفسيره دون حاجة للجوء الى اى شيى خارج النظام الطبيعى ففى اطار المرجعية الكامنة لا يوجد سوى جوهر واحد فى الكون مادة واحدة يتكون منها كل شيئ ومن هنا يشار الى المادية باعتبارها وحدة الوجود المادية.
وفى وحدة الوجود هناك الروحية والمادية
ويقارن المسيرى بينهم، فالاولى يحل فيها المبدأ الواحد وهو الإله يحل فى مخلوقاته ويمتزج بها ويتوحد معها بحيث لا يصير له وجود دونها ولا يصير لها وجود دونه، اما الثانية فالمبدأ الواحد هو قوانين الطبيعة او القوانين العلمية او المادية ولذا يسميها حلولية من دون اله.
وبرغم من الاختلاف الظاهر بين وحدة الوجود المادية والروحية فان بنيتهما واحدة يتسمان بالواحدية وبمحو الثنائيات والمقدرة على التجاوز.
ففى الواحدية المادية يتم الغاء الثنائيات( الخالق والمخلوق،الانسان والطبيعة، الخير والشر ،الاعلى والادنى)ويتم تطهيره تماما من المطلقات والقيم.
وفى هذا الاطار تصبح المعرفة مسألة تستند الى الحواس وحسب ويصبح العالم الطبيعى هو المصدر الوحيد والاساسى للمنظومات المعرفية والاخلاقية وترد الاخلاق الى الاعتبارات المادية (الاقتصادية والاجتماعية والسياسية) .
ويستمر المسيرى فى شرح الاشكاليات فى تفسير الظاهرة الانسانية من المنظور المادى حيث يوضح بمصطلح العلم الطبيعى الذى يطلق على كل دراسة تتناول معطيات الواقع المادى بكلياته وجزئياته ووسيلة الدراسة هى منهج الملاحظة المباشرة والتجربة المتكررة والمتنوعة ويقارن د المسيرى هذا التعريف بتصرف الانسان بشكل غير منطقى من منظور البقاء والمنفعة المادية.
وفى الفصل الرابع بعنوان المادية والتاريخ
يصف المسيرى الفكر الغربى والمادى ورؤيته للتاريخ من المنظور المادي فالمنطلق العلمانى الاساسى الكامن هو وحده المطلق النهائى وهو وحده الثابت وما عداه متغير حيث ان قوانين الطبيعة او المادة فقط التى يستمد منها الانسان وحدها المعرفة والقيم الاخلاقية والجمالية.
وفى احد افضل اجزاء الكتاب بالنسبة لى ذكر المسيرى ثلاث لحظات علمانية شاملة نماذجية مختلفة وهى:
١-اللحظة السنغافورية ويظهر فيها الانسان الاقتصادى
ففى بلد صغير كسنغافورة بلا تاريخ او تقاليد حضارية او منظومات قيمية راسخة كان من السهل تحويل الانسان الى وحدة اقتصاد قادرة على الانتاج والاستهلاك والبيع والشراء وتصبح البلد كلها مجموعة من المحلات والسوبر ماركتات والفنادق والمصانع وينظر الناس الى انفسهم لا كبشر وانما وحدات انتاجية استهلاكية.
٢-اللحظة النازية والصهيونية ويظهر فيها الانسان الطبيعى المادى او الانسان كمادة محضة
وهى اهم اللحظات واكثرها مادية لانها تعبير مباشر عن الانسان المادى ،الانسان كمادة محضة وقوة امبريالية كاسحة فالمجتمع النازى كان يعد الانسان كائنا طبيعيا مرجعيته النهائية هى الطبيعة او المادة ومرجعيته الاخلاقية المادية هى ارادة القوة ولهذا نظر الى البشر جميعا باعتبارهم مادة استعمالية يمكن توظيفها ويقوم الاقوى والاصلح بهذه العملية لصالحه.
٣-اللحظة التايلاندية ويظهر فيها الانسان الجسمانى
ففى تايلاند وهى بلد اسيوى اصبح قطاع البغاء فيه من اهم مصادر الدخل القومى وتكون فيه لوبى قوى من ملوك البغاء والمخدرات واللحظة التايلاندية هى تعبير عن الانسان الجسمانى حيث يتحول الانسان تماما الى اداة للمتعة فى عصر ما بعد الحداثة والاستهلاكية العالمية.
فى الفصل الخامس بعنوان الترشيد والقفص الحديدى
حيث يتم الترشيد فى خطوتين: سحب الاشياء من عالم الانسان ووضعها فى عالم مستقل يسمى عالم الاشياء المادية وايضا سحب الانسان ذاته من عالم الانسان ووضعه هو الاخر فى عالم الاشياء.
يضرب المسيرى على الوتر الحساس ومفهوم الدولة المطلقة حيث قامت الدولة بتحديد حدودها بدقة وربطت اجزاء الوطن بشبكة مواصلات هائلة وهدمت المدن القديمة المؤسسة على اساس عشائرى وحرفى وعائلى واسست مدنا لها مركز تتفرع منه شوارع واسعة ثم تم توحيد اللغة والقوانين وترشيدها وتوحيد الرموز والمقاييس بل وتم اعادة كتابة التاريخ القومى ليعبر عن وحدة الذات القومية.. والحديث عن قيام الدولة بتحديد سلطتها المطلقة يطول وفى الكتاب شرح اوفى بكثير.
اصبح الانسان بعد كل هذا وظيفيا مجردا فى ضوء وظائفه واحتياجاته المادية وفى ضوء الوظائف التى يضطلع بها دون اى تجاوز لكل هذا، اصبح هذا الانسان هو المواطن القادر على اطاعة الاوامر التى تصدر له من السلطات، وهذا يذكرنى بما قاله قسطنطين جيورجيو فى رواية الساعة الخامسة والعشرون
"لقد اختزل الكائن البشرى في بعد واحد، من مجموع الأبعاد التى كان يتمتع بها،وهو البعد الاجتماعى، لقد تحول الى مواطن،وهذه الكلمة لم تعد مرادفة لمعنى :انسان"
وهذا ما قامت الانظمة الشمولية والنظريات والفلسفات المادية بتحقيقه ويذكر بعد ذلك د المسيرى عن ايدولوجيات ما بعد الحداثة وامبريالية عصر الاستهلاك والتى تعلن موت الانسان بعد موت الاله وتنكر وجود اى مركز وتنفى اى مرجعية من اى نوع فهى حرية كاملة وخضوع كامل لقانون لقانون الصدفة وهى منظومة فلسفية تطهرت تماما من الفلسفة والانسان والمطلقات.
فى الفصل السابع وهو فصل مهم عن العنصرية الغربية وتاريخ تطورها ففى عنصرية عصر التحديث والتفاوت حيث يتم الاصرار على ان البشر مختلفون بشكل جوهرى وان بعضهم قوى متفوق والآخر ضعيف متخلف ولكن هناك شكلا جديدا من العنصرية وهى عنصرية ما بعد الحداثة والسيولة الشاملة عنصرية التسوية بمعنى ان ثمة قانونا عاما يسرى على البشر فهم متساوون ولكن هذا القانون نفسه يسرى على الحيوانات والكائنات الطبيعية ومن ثم فان المساواة بين البشر تصل الى التسوية بين كل الكائنات فى جميع الوحوه فتسقط الانسانية المشتركة.
ختاما هذا ما يحدث الان وبضراوة ، اصبحت القيم سائلة تتغير بتغير المصلحة، اصبح فى كل مكان ما يسمى بالاقليات فاذا قمنا بتحليل الخطاب ما بعد الحداثى الخاص بالاقليات لاكتشفنا انه لا علاقة له بالتسامح او بقضية الحقوق وانما هو محاولة لهدم المعيارية الانسانية.
كل شيئ اصبح مباح ، انت حر تفعل ما بدا لك طالما تحت سلطة الدولة التى توغلت حتى وصلت الى بيتك، لا هوية للانسان.. مجرد مادة ، تحركه غريزته للجنس، لذة الاستهلاك، سلطة وسيطرة وقهر ، لا روح تسمو ولا نفس تطلب شيئا.
شذوذ ومخدرات ودعارة وتمركز حول الانثى واقليات فى كل مكان ولكل ايدولوجية توجد اقلية واصبح الانسان الفطرى غريب يصارع ما حوله مؤمنا بمركزية الله ومرجعية الاخلاق والقيم .