آية شوقي's Reviews > حياة كاملة
حياة كاملة
by
by
بعض الأعمال الأدبية تعقد لساني عن التعبير بعد الانتهاء منها، فقط تقذفني في خضم الشعور الذي تومضه بداخلي، وتتركني لأتعرّف على ذاتي من جديد..، هذا العمل كان واحد منها.
"حياة كاملة" ل(روبرت زيتالر)، رواية غاية في البساطة والعمق في آن، أسلوب مسترسل وساحر، لغة عذبة وتعبيرات بالغة الرقّة عن مشاعر الإنسان الدفينة، تلك التي توجد بداخله دون وعي منه لتوصيفها، أو محاولة معرفة ماهيّتها، هو فقط يشعر، ويعيش.. .
تدور الأحداث في إحدى القرى الألمانية، وتمر بفترة النازية وجنون هتلر، أما فكرة الرواية ذاتية -وهو نوعي المُفضَّل- حيث تدور حول سرد حكاية إنسان وحيد لا يعاني من وحدته، هو يبدو أنه لا يعاني على الإطلاق، رغم أن حياته حافلة بالمآسي، لكنه -وبطريقة ما- يشعر أنه لا ينتمي لهذا الواقع البشع الذي يسوده جشع الإنسان، هو غير آبه بجنون السيطرة ولا السياسات الدولية ولا أخبار الهزائم، إنه نموذج من فرط بساطته الداخلية أشك في واقعية وجوده.. .
مع استطرادي للقراءة كان مقدار دهشتي إزاء البطل "إيجر" يزداد شيئًا فشيئًا، إنه إنسان لا يطرح الأسئلة، لا يصيبه الأرق حول ماهيَّة وجوده أو كيفية انتقاله إلى هذا العالم أو منه، إنه ليس متبلّدًا أو غير مُبالي، بل إنه فعلًا ليس مهتمًّا، إنه بسيط كغيمة هشَّة، واضح كصفحة الماء العذب، لا تعكس المرايا سوى وجهه الذي عاش حياته راضيًا بها وعن نفسه، لا صراعات داخلية، لا تعقيدات نفسية، لا أسئلة فلسفية، لا شيء سوى قلب ينبض بالقناعة.
وقد انعكس هذا في فقرة حوارية قصيرة في بداية الرواية حيث يسأل أحدهم إيجر:
- "أين تريد أن تُدفَن؟"
- "لا أعلم بعد"، لم يكن قد فكر في هذا السؤال من قبل. وفي الحقيقة، كان يرى أن مثل هذه الأمور لا تستحق أيضًا إضاعة الوقت ولا التفكير فيها. "الأرض هي الأرض، ولا فرق أين يرقد المرء.".
- "لا فرق ربما، كما لا فرق بشأن أي شيء في نهاية المطاف."
في الحقيقة لا أعلم إن كنت -منطقيًّا- أفضّل هذا النموذج البشريّ عن النموذج الواعي بذاته وبواقعه وقادر على التأثير فيه وتغييره، لكن شيئين قطعا عليّ هذا التفكير:
١- لا يجب معالجة هذه الشخصية من منظور منطقي، إنها حتى أبسط من ذلك، وهي على وفاق تام مع ذاتها على هذا النحو.
٢- أنني كنت -وبشكل لا واعي- أغبطه.. .
- "لم يكن باستطاعته أن يتذكر من أين أتى، وفي النهاية لم يكن يعرف إلى أين سيمضي. لكنه كان يستطيع أن ينظر خلفه، إلى الزمن الممتد بينهما وإلى حياته، بلا أسف، بضحكة مجلجلة، وبذهول كبير لا مثيل له".
أعني لقد منحتني هذه الرواية شعورًا هائلًا بالسلام، مجرّد تخيل أن الحياة -رغم مآسيها- ممكنة بهذا الشكل من البساطة- جعلني أدمع من فرط التأثر، يالتعاسة التي يجلبها الإنسان على ذاته!
- "إنه عندما يذهب المرء إلى الجحيم، عليه أن يضحك مع الشياطين، هذا لا يكلّف شيئًا ويجعل الأمر كُلَّه مُحتملًا أكثر.".. .
النقطة الأكثر جاذبية في هذا العمل هي آلية تفاعل إيجر مع الواقع من حوله، إنه إنسان كامل، قويّ وطموح وليس بساذج لكنه متسامح ومتعاون ولديه أحلام بعضها بسيط والبعض كان أكبر منه -مثله مثل أي شخص كان وجوده ضمن أحوال الفقر الطبقي في معظم المجتمعات-، وكان محاطًا ببيئة جليدية قاسية، تحدث فيها الكوارث من حين لآخر وتنهار الثلوج دافنة أسفلها الكثير من الحيوات، ومع ذلك فإنه لم يكن يشقى بذلك كله ولم يكن يجمع معاناته ويتأمل حجم شقائه، بل كان يحزن قليلًا ثم يواصل العيش بالرضا ذاته وكأن شيئًا لم يكن.
إنه ليس لم يكن يملك رفاهية الانهيار، بل إنه لم يكن يشعر أنه بحاجة إلى ذلك، كان متأقلِمًا تمامًا مع كل ما يحدث حوله.
يقول إيجر في جوابه لزوجته المتوفية ماري:
- "حبيبتي ماري، إن الأمور أبدًا ليست بهذا السوء هنا، ولكنني لا أريد أن أتذمر. فهناك العديد ممن يرقدون متيبّسين وباردين في الثلج، بينما أنا ما أزال أشاهد النجوم.".. .
ربما كان أحد العوامل الذي ساعده في ذلك هو وحدته واستقلاله، لم يكن هنالك الكثير مما يخصّه في هذا العالم، لم يكن يملك شيئًا ليخسره، كان يحيى يومًا بيوم، تلك الحرية لم يخترها وإنما جُبِلَتْ عليه فجلَبَتْ على قلبه السلام.. .
- "كان هناك شيئًا من الوحدة أحيانًا، لكنه لم يكن يرى وحدته كنقيصة. لم يكن لديه أحد، لكن كان لديه كل ما يحتاجه، وكان ذلك كافيًا.".
"حياة كاملة" ل(روبرت زيتالر)، رواية غاية في البساطة والعمق في آن، أسلوب مسترسل وساحر، لغة عذبة وتعبيرات بالغة الرقّة عن مشاعر الإنسان الدفينة، تلك التي توجد بداخله دون وعي منه لتوصيفها، أو محاولة معرفة ماهيّتها، هو فقط يشعر، ويعيش.. .
تدور الأحداث في إحدى القرى الألمانية، وتمر بفترة النازية وجنون هتلر، أما فكرة الرواية ذاتية -وهو نوعي المُفضَّل- حيث تدور حول سرد حكاية إنسان وحيد لا يعاني من وحدته، هو يبدو أنه لا يعاني على الإطلاق، رغم أن حياته حافلة بالمآسي، لكنه -وبطريقة ما- يشعر أنه لا ينتمي لهذا الواقع البشع الذي يسوده جشع الإنسان، هو غير آبه بجنون السيطرة ولا السياسات الدولية ولا أخبار الهزائم، إنه نموذج من فرط بساطته الداخلية أشك في واقعية وجوده.. .
مع استطرادي للقراءة كان مقدار دهشتي إزاء البطل "إيجر" يزداد شيئًا فشيئًا، إنه إنسان لا يطرح الأسئلة، لا يصيبه الأرق حول ماهيَّة وجوده أو كيفية انتقاله إلى هذا العالم أو منه، إنه ليس متبلّدًا أو غير مُبالي، بل إنه فعلًا ليس مهتمًّا، إنه بسيط كغيمة هشَّة، واضح كصفحة الماء العذب، لا تعكس المرايا سوى وجهه الذي عاش حياته راضيًا بها وعن نفسه، لا صراعات داخلية، لا تعقيدات نفسية، لا أسئلة فلسفية، لا شيء سوى قلب ينبض بالقناعة.
وقد انعكس هذا في فقرة حوارية قصيرة في بداية الرواية حيث يسأل أحدهم إيجر:
- "أين تريد أن تُدفَن؟"
- "لا أعلم بعد"، لم يكن قد فكر في هذا السؤال من قبل. وفي الحقيقة، كان يرى أن مثل هذه الأمور لا تستحق أيضًا إضاعة الوقت ولا التفكير فيها. "الأرض هي الأرض، ولا فرق أين يرقد المرء.".
- "لا فرق ربما، كما لا فرق بشأن أي شيء في نهاية المطاف."
في الحقيقة لا أعلم إن كنت -منطقيًّا- أفضّل هذا النموذج البشريّ عن النموذج الواعي بذاته وبواقعه وقادر على التأثير فيه وتغييره، لكن شيئين قطعا عليّ هذا التفكير:
١- لا يجب معالجة هذه الشخصية من منظور منطقي، إنها حتى أبسط من ذلك، وهي على وفاق تام مع ذاتها على هذا النحو.
٢- أنني كنت -وبشكل لا واعي- أغبطه.. .
- "لم يكن باستطاعته أن يتذكر من أين أتى، وفي النهاية لم يكن يعرف إلى أين سيمضي. لكنه كان يستطيع أن ينظر خلفه، إلى الزمن الممتد بينهما وإلى حياته، بلا أسف، بضحكة مجلجلة، وبذهول كبير لا مثيل له".
أعني لقد منحتني هذه الرواية شعورًا هائلًا بالسلام، مجرّد تخيل أن الحياة -رغم مآسيها- ممكنة بهذا الشكل من البساطة- جعلني أدمع من فرط التأثر، يالتعاسة التي يجلبها الإنسان على ذاته!
- "إنه عندما يذهب المرء إلى الجحيم، عليه أن يضحك مع الشياطين، هذا لا يكلّف شيئًا ويجعل الأمر كُلَّه مُحتملًا أكثر.".. .
النقطة الأكثر جاذبية في هذا العمل هي آلية تفاعل إيجر مع الواقع من حوله، إنه إنسان كامل، قويّ وطموح وليس بساذج لكنه متسامح ومتعاون ولديه أحلام بعضها بسيط والبعض كان أكبر منه -مثله مثل أي شخص كان وجوده ضمن أحوال الفقر الطبقي في معظم المجتمعات-، وكان محاطًا ببيئة جليدية قاسية، تحدث فيها الكوارث من حين لآخر وتنهار الثلوج دافنة أسفلها الكثير من الحيوات، ومع ذلك فإنه لم يكن يشقى بذلك كله ولم يكن يجمع معاناته ويتأمل حجم شقائه، بل كان يحزن قليلًا ثم يواصل العيش بالرضا ذاته وكأن شيئًا لم يكن.
إنه ليس لم يكن يملك رفاهية الانهيار، بل إنه لم يكن يشعر أنه بحاجة إلى ذلك، كان متأقلِمًا تمامًا مع كل ما يحدث حوله.
يقول إيجر في جوابه لزوجته المتوفية ماري:
- "حبيبتي ماري، إن الأمور أبدًا ليست بهذا السوء هنا، ولكنني لا أريد أن أتذمر. فهناك العديد ممن يرقدون متيبّسين وباردين في الثلج، بينما أنا ما أزال أشاهد النجوم.".. .
ربما كان أحد العوامل الذي ساعده في ذلك هو وحدته واستقلاله، لم يكن هنالك الكثير مما يخصّه في هذا العالم، لم يكن يملك شيئًا ليخسره، كان يحيى يومًا بيوم، تلك الحرية لم يخترها وإنما جُبِلَتْ عليه فجلَبَتْ على قلبه السلام.. .
- "كان هناك شيئًا من الوحدة أحيانًا، لكنه لم يكن يرى وحدته كنقيصة. لم يكن لديه أحد، لكن كان لديه كل ما يحتاجه، وكان ذلك كافيًا.".
Sign into Goodreads to see if any of your friends have read
حياة كاملة.
Sign In »
Quotes آية Liked
“He couldn't remember where he had come from, and ultimately he didn't know where he would go. But he could look back without regret on the time in between, his life, with a full-throated laugh and utter amazement.”
― A Whole Life
― A Whole Life
Reading Progress
Comments Showing 1-7 of 7 (7 new)
date
newest »
الله♥️♥️ ، مراجعة تفوقت على الرواية من جمالها
إنه نموذج من فرط بساطته الداخلية أشك في واقعية وجوده فعلا ، وأنا كمان حسيت إني بشكل لاواعي أغبطه
إنه نموذج من فرط بساطته الداخلية أشك في واقعية وجوده فعلا ، وأنا كمان حسيت إني بشكل لاواعي أغبطه
Ahmed wrote: "الله♥️♥️ ، مراجعة تفوقت على الرواية من جمالها
إنه نموذج من فرط بساطته الداخلية أشك في واقعية وجوده فعلا ، وأنا كمان حسيت إني بشكل لاواعي أغبطه"
شكرًا يا أحمد، كلها ترشيحاتك العظمة♥♥♥
إنه نموذج من فرط بساطته الداخلية أشك في واقعية وجوده فعلا ، وأنا كمان حسيت إني بشكل لاواعي أغبطه"
شكرًا يا أحمد، كلها ترشيحاتك العظمة♥♥♥
Ahmed wrote: "جميلة جداً المراجعة، شكراً....قرأت الرواية منذ فترة وأعجبتني جداً بسطاتها وشخصيتها...يبدو أن مراجعتك ستجعلني أعيد قراءتها مرة أخري D':
واستفسار صغير: أين يمكنني أن أجد كتابك "ظلال لا تخص أحداً"؟"
الرواية تستحق التأمل والوقوف المُطوَّل الحقيقة، شكرًا لرأيك، وبما إن دي عجبتك فاسمحلي أرشّحلك "جوع" لكنوت هامسون، أشعر أنها ستكون من مفضلاتك أيضًا.
بالنسبة للكتاب ف دي خريطة توزيع الدار، شوف ايه أقرب مكتبة في محافظتك، ولو قرأته هنتظر رأيك حتمًا
https://www.facebook.com/247066949529...
واستفسار صغير: أين يمكنني أن أجد كتابك "ظلال لا تخص أحداً"؟"
الرواية تستحق التأمل والوقوف المُطوَّل الحقيقة، شكرًا لرأيك، وبما إن دي عجبتك فاسمحلي أرشّحلك "جوع" لكنوت هامسون، أشعر أنها ستكون من مفضلاتك أيضًا.
بالنسبة للكتاب ف دي خريطة توزيع الدار، شوف ايه أقرب مكتبة في محافظتك، ولو قرأته هنتظر رأيك حتمًا
https://www.facebook.com/247066949529...
شكراً للغاية علي الترشيح، بإذن الله أقرأها...وشكراً علي الخريطة، وصدمت الصراحة إنها موجودة في بني سويف، في العادي بضطر أجيب كله من القاهرة لأن يعتبر مفيش مكتبات أوي هنا😂 قريباً بقي أقراه
واستفسار صغير: أين يمكنني أن أجد كتابك "ظلال لا تخص أحداً"؟