Sherif Metwaly's Reviews > بين القصرين
بين القصرين
by
أجلتها كثيرًا ووضعتها على قائمة الانتظار أكثر من مرة لأكثر من عذر، إما خوفًا من ضخامة الثلاثية وألا يتسع الوقت لإتمامها، وإما خوفًا من سقف التوقع شديد الإرتفاع تجاه تحفة نجيب الخالدة وأعظم ما كتب بإجماع آلاف القراء؛ مرت السنوات والأيام، وها أنا وسط أيام وليالي عملي بين جدران المستشفيات، على بعد أمتار من عنابر المرضى، وسط روائح التعقيم والتخدير وأصوات أجهزة التنفس وثرثرة التمريض التي لا تنقطع، أكسر مخاوفي كلها وأغوص بكياني بين صفحات الجزء الأول هاربًا من كل الصخب الذي طالما أنهكني، فأنهل من منبع السحر المحفوظي كظمآن فاز بشربة ماء باردة وسط صحراء شاسعة، ضاربًا بظروف عملي وانشغالي عرض الحائط، ولاعنًا المرات العديدة التي أجلت فيها قراءة كل هذا الجمال والكمال.
هي درة التاج المحفوظي بالفعل، تستحق كل ما سمعته عنها من إشادة ومدح، بأسلوب سرد ساحر وتجلّي منقطع النظير في رسم التفاصيل أخرجني محفوظ من عالمي وحاضري إلى عالمه الخاص، حيث الحارة المصرية بتفاصيلها التي أعشقها والتي تفنن في رسمها، بقصة درامية إجتماعية بسيطة التفاصيل عميقة المعاني، وشخصيات تنبض بالحياة فتكاد تراها مجسدة أمام عينيك من لحمٍ ودم لا مجرد خيال، والشخصيات هي أكثر ما جذبني في هذا العمل وهذا الجزء تحديدًا، لأنني طالما كانت لديّ مخاوف تجاه الأعمال كبيرة الحجم أن تكون مسرحًا مزدحمًا بالشخصيات الرئيسية والثانوية التي تُصعّب من تجربة القراءة بكثرة القصص الفرعية والأسامي والخطوط الجانبية، والتي لو لم يحسن الكاتب غزلها لوضع القارئ في عقدة وجعله يعاني كي يتابع سرد الحكاية، لكن ما وجدته هنا كان العكس تمامًا، فالشخصيات قليلة العدد غزيرة التفاصيل محكمة الرسم، فكان الانبهار والدهشة هما سيدا الموقف طوال ما يقارب ستمائة صفحة.
والمذهل أكثر، هو بساطة القصة في مجملها كما ذكرت، والتي ربما تحكيها في خمس دقائق وأنت تحتسي كوبًا من الشاي مع صديقك، لكنك بلا شك ستحكيها بجفاف وستفقدها تفاصيلها الساحرة، مهما فعلت لن تصل إلى سر خلطة محفوظ الخاصة التي صنعت من الحكاية العادية شيئًا استثنائيًا بديعًا في تكوينه مبهرًا في طريقة عرضه، لطالما أقول ويقول معظم القراء أن واحدة من أهم مميزات الكاتب الاستثنائي أن يمتلك الموهبة على تحويل العادي إلى غير عادي، هذا ما تجلّى هنا بكل وضوح.
إجمالًا، هي واحدة من الروايات التي تُقرأ وكفى، لا تحتاج لحديث مطوّل فقير وعاجز عن إبراز مواطن جمالها، واحدة من الروايات التي تجعلك تشكر الله وتحمده حمدًا كثيرًا على أن زرع في قلبك وعقلك نعمة حب القراءة التي بفضلها تغوص مرارًا في عوالم محفوظ الساحرة منتشيًا بما يقدمه قلمه من ملاحم روائية قلّما يجود علينا التاريخ بمثلها.
تمت.
by
أجلتها كثيرًا ووضعتها على قائمة الانتظار أكثر من مرة لأكثر من عذر، إما خوفًا من ضخامة الثلاثية وألا يتسع الوقت لإتمامها، وإما خوفًا من سقف التوقع شديد الإرتفاع تجاه تحفة نجيب الخالدة وأعظم ما كتب بإجماع آلاف القراء؛ مرت السنوات والأيام، وها أنا وسط أيام وليالي عملي بين جدران المستشفيات، على بعد أمتار من عنابر المرضى، وسط روائح التعقيم والتخدير وأصوات أجهزة التنفس وثرثرة التمريض التي لا تنقطع، أكسر مخاوفي كلها وأغوص بكياني بين صفحات الجزء الأول هاربًا من كل الصخب الذي طالما أنهكني، فأنهل من منبع السحر المحفوظي كظمآن فاز بشربة ماء باردة وسط صحراء شاسعة، ضاربًا بظروف عملي وانشغالي عرض الحائط، ولاعنًا المرات العديدة التي أجلت فيها قراءة كل هذا الجمال والكمال.
هي درة التاج المحفوظي بالفعل، تستحق كل ما سمعته عنها من إشادة ومدح، بأسلوب سرد ساحر وتجلّي منقطع النظير في رسم التفاصيل أخرجني محفوظ من عالمي وحاضري إلى عالمه الخاص، حيث الحارة المصرية بتفاصيلها التي أعشقها والتي تفنن في رسمها، بقصة درامية إجتماعية بسيطة التفاصيل عميقة المعاني، وشخصيات تنبض بالحياة فتكاد تراها مجسدة أمام عينيك من لحمٍ ودم لا مجرد خيال، والشخصيات هي أكثر ما جذبني في هذا العمل وهذا الجزء تحديدًا، لأنني طالما كانت لديّ مخاوف تجاه الأعمال كبيرة الحجم أن تكون مسرحًا مزدحمًا بالشخصيات الرئيسية والثانوية التي تُصعّب من تجربة القراءة بكثرة القصص الفرعية والأسامي والخطوط الجانبية، والتي لو لم يحسن الكاتب غزلها لوضع القارئ في عقدة وجعله يعاني كي يتابع سرد الحكاية، لكن ما وجدته هنا كان العكس تمامًا، فالشخصيات قليلة العدد غزيرة التفاصيل محكمة الرسم، فكان الانبهار والدهشة هما سيدا الموقف طوال ما يقارب ستمائة صفحة.
والمذهل أكثر، هو بساطة القصة في مجملها كما ذكرت، والتي ربما تحكيها في خمس دقائق وأنت تحتسي كوبًا من الشاي مع صديقك، لكنك بلا شك ستحكيها بجفاف وستفقدها تفاصيلها الساحرة، مهما فعلت لن تصل إلى سر خلطة محفوظ الخاصة التي صنعت من الحكاية العادية شيئًا استثنائيًا بديعًا في تكوينه مبهرًا في طريقة عرضه، لطالما أقول ويقول معظم القراء أن واحدة من أهم مميزات الكاتب الاستثنائي أن يمتلك الموهبة على تحويل العادي إلى غير عادي، هذا ما تجلّى هنا بكل وضوح.
إجمالًا، هي واحدة من الروايات التي تُقرأ وكفى، لا تحتاج لحديث مطوّل فقير وعاجز عن إبراز مواطن جمالها، واحدة من الروايات التي تجعلك تشكر الله وتحمده حمدًا كثيرًا على أن زرع في قلبك وعقلك نعمة حب القراءة التي بفضلها تغوص مرارًا في عوالم محفوظ الساحرة منتشيًا بما يقدمه قلمه من ملاحم روائية قلّما يجود علينا التاريخ بمثلها.
تمت.
Sign into Goodreads to see if any of your friends have read
بين القصرين.
Sign In »
Reading Progress
August 10, 2014
– Shelved as:
to-read
August 10, 2014
– Shelved
October 22, 2014
– Shelved as:
نجيب-محفوظ
September 13, 2021
–
Started Reading
September 13, 2021
– Shelved as:
مكتبتي-العزيزة
September 20, 2021
–
68.49%
"عاجز عن وصف مدى سعادتي واستمتاعي بجمال السرد ودقة تفاصيل رسم الشخصيات في الرواية دي، رغم قراءتي البطيئة جدًا إلا أنها تأسرني كل ليلة ببضع صفحات أقرأها متلذذًا عقب يوم عمل طويل، ولا أتمنى لهذه الرحلة أن تنتهي والله"
page
400
September 22, 2021
– Shelved as:
أجمل-ما-قرأت
September 22, 2021
–
Finished Reading
Comments Showing 1-8 of 8 (8 new)
date
newest »
message 1:
by
Ayman
(new)
-
rated it 5 stars
Sep 23, 2021 01:13PM
حالة عامة الخوف من اكبر اعمال نجيب كلنا مررنا بيها لكن بمجرد دخولك العالم تلاقى نفسك بتقول هو انا ازاى اتاخرت كل ده ❤️❤️ اقتبس منك انها واحدة من الروايات التى تقرا و كفى
reply
|
flag
Ayman wrote: "حالة عامة الخوف من اكبر اعمال نجيب كلنا مررنا بيها لكن بمجرد دخولك العالم تلاقى نفسك بتقول هو انا ازاى اتاخرت كل ده ❤️❤️ اقتبس منك انها واحدة من الروايات التى تقرا و كفى"
آه والله يا أيمن، الواحد بدأها من عشر أيام كاملين محسش بالوقت بسببها واللي هو الله ما الدنيا عظيمة وسلسة أهي وحاجة منتهى الجمال
آه والله يا أيمن، الواحد بدأها من عشر أيام كاملين محسش بالوقت بسببها واللي هو الله ما الدنيا عظيمة وسلسة أهي وحاجة منتهى الجمال
يسحرني دوما تخيل القراءة في جو المستشفيات.. حيث تختلط حقائق المرض والألم المحيطة بالقارئ.. بالجمال والخيال بين دفات الصفحات..
تكمن المشكلة الحقيقية في ما يمكن أن تقرأ بعد محفوظ..
معضلة الوصول للقمة والانتشاء بها.. ثم رحلة الهبوط الممتزج بالإمتعاض .. المشوب ببعض الإزدراء والمرء يحدث نفسه وهو يقرأ الكتاب التالي
الذي يوقعه حظ الكاتب العاثر بين يدي قارئ الثلاثية -أيا كان الكاتب أو الكتاب- قائلا : "هية دي كدة رواية يعني؟"
تكمن المشكلة الحقيقية في ما يمكن أن تقرأ بعد محفوظ..
معضلة الوصول للقمة والانتشاء بها.. ثم رحلة الهبوط الممتزج بالإمتعاض .. المشوب ببعض الإزدراء والمرء يحدث نفسه وهو يقرأ الكتاب التالي
الذي يوقعه حظ الكاتب العاثر بين يدي قارئ الثلاثية -أيا كان الكاتب أو الكتاب- قائلا : "هية دي كدة رواية يعني؟"
Fatma wrote: "يسحرني دوما تخيل القراءة في جو المستشفيات.. حيث تختلط حقائق المرض والألم المحيطة بالقارئ.. بالجمال والخيال بين دفات الصفحات..
تكمن المشكلة الحقيقية في ما يمكن أن تقرأ بعد محفوظ..
معضلة الوصول للقم..."
أجواء المستشفيات عافانا وعافاكم الله أبعد ما يكون عن السحر، فقط تعيننا القراءة على الهروب من الجو الحزين وآلام المرضى من حين لآخر شفاهم الله
أما عن محفوظ فصدقًا ما ذكرتي يا فاطمة، رحلات ما أن تبدأ فيها حتى تتمنى ألا تنتهي أبدًا
تكمن المشكلة الحقيقية في ما يمكن أن تقرأ بعد محفوظ..
معضلة الوصول للقم..."
أجواء المستشفيات عافانا وعافاكم الله أبعد ما يكون عن السحر، فقط تعيننا القراءة على الهروب من الجو الحزين وآلام المرضى من حين لآخر شفاهم الله
أما عن محفوظ فصدقًا ما ذكرتي يا فاطمة، رحلات ما أن تبدأ فيها حتى تتمنى ألا تنتهي أبدًا
عنيت بالسحر ياشريف كيف تخرج من الحقائق المؤلمة العاجزة.. لخيال بحت عبر بوابات السطور السحرية ..
أليست فكرة الهرب عبر الخيال الجامح وأنت لم تبرح مكانك بساحرة رغم كل شيء؟
شفا الله مرضى العالمين جميعا وخفف عنهم وهون عليهم وعليكم..
أليست فكرة الهرب عبر الخيال الجامح وأنت لم تبرح مكانك بساحرة رغم كل شيء؟
شفا الله مرضى العالمين جميعا وخفف عنهم وهون عليهم وعليكم..
Fatma wrote: "عنيت بالسحر ياشريف كيف تخرج من الحقائق المؤلمة العاجزة.. لخيال بحت عبر بوابات السطور السحرية ..
أليست فكرة الهرب عبر الخيال الجامح وأنت لم تبرح مكانك بساحرة رغم كل شيء؟
شفا الله مرضى العالمين جميع..."
فهمت قصدك ومتفق معك تمامًا
شكرًا لمرورِك "))
أليست فكرة الهرب عبر الخيال الجامح وأنت لم تبرح مكانك بساحرة رغم كل شيء؟
شفا الله مرضى العالمين جميع..."
فهمت قصدك ومتفق معك تمامًا
شكرًا لمرورِك "))