تحديد موقف

عندما يسودّ الأفق في عيني الانسان, ويصبح كل شيء في هذه الحياة بلا لون ولا طعم ولا رائحة, وعندما يجدالانسان كل الأبواب موصدة شديدة الايصاد في وجهه, لا بد من تحديد موقف.
عندما ينفضّ الأصدقاء من حول الانسان هباء تذروه الرياح, بعد أن كانوا صحبة تجمعهم الألفة والمحبة والصداقة, ويجد الانسان نفسه وحيدا في درب الحياة الموحش لا أنيس ولا أخ ولا رفيق, وحده يواجه العالم الدائر في حلقة مفرغة, ووحده يمضي لمواجهة المجهول المرعب.. لا بد من تحديد موقف.
عندما يجد الانسان نفسه عرضة للتشتت والضياع, وعندما يقوى النقيضان داخل نفسه, وتدور بينهما رحى مرعبة تمزق داخله, حرب لانهائية, عندما يكون وحيدا وقبل أن تغمض عيناه لا بد من تحديد موقف.
عندما يشعر الانسان بأن الحياة لا تعدو كونها عبثا دون معنى, الاستيقاظ عبث, والنوم عبث, والجد عبث, والكسل عبث, عبث في عبث, وعندما يشعر أن الحياة لم تعد حياته..لا بد من تحديد موقف.
عندما يجد الانسان نفسه على مفترق شائك من الأفكار والتداخلات والمناهج الحياتية واليسار واليمين..لا بد من تحديد موقف.
عندما يحتدم النقاش ويشعر الانسان بأنه يغالط نفسه, ويفرض آراءا لا يؤمن بها على داخله أو يحاول أن يؤمن بها مجاملة لشخص أو مجموعة, يجب أن يكون حاسما, ولا بد من تحديد موقف.
ولتحديد هذا الموقف لا بد من مواجهة النقيضين والسماع لكليهما, وبناء على الأفكار القديمة التي كان ولا يزال يحملها في العقل الباطن, ومقارنة مع الأفكار المعروضة في الوقت الحاضر, يجب مواجهة النقيضين وتغليب أحدهما على الآخر واسكات الآخر لكي تصبح المعادلة اثنان على واحد .. ومن ثم يبدأ تحديد الموقف.
وبناء على ذلك ولأنني أمر في هذه اللحظات بحالة من الغربة النفسية والشتات والتيه والتمزق, وحتى لا أجد نفسي أشلاء ومن ثم أعجز عن استجماعها, ولايماني بأن هذه الحياة التي تفقد أيامها كمسبحة انفرط عقدها ليست هي الحياة الوحيدة, ولذا فما المعنى من انبساط الكون وتنوع الطبيعة ورفرفة الطيور وحفيف الشجر وهطول المطر, قررت أن أحدّد موقفي وأن أنحاز الى أحد النقيضين وأن أغلّب أحدهما على الآخر ساعيا الى الاحساس بالكيان الواحد والسعادة النفسية, وسادّا فجوة عميقة في كياني.. ألا وهي الروح.. ولهذا فاني عازم -ان شاء الله- ولا بد من تحديد موقف.

*******

شعاع النور

هي الحياة, مذ عرفتها وتكحّلت عيناي برؤيتها, تحضنني ساعة وتدير ظهرها لي مئة ساعة, ما أن أحاول نسيانها وأعقد العزم على كراهيتها, حتى تبادر الى التفاتة وهمسة تشعرني بالاهتمام واحساس بالدفء يتسلل الى كياني, حتى اذا ما أفلتت قدماي وتبعتها, أعياني البحث وبليت نعلاي كمن يتبع سرابا من شدة الظمأ.
مغرورة جدا هذه الحياة, تتبدّى لي في أحسن حللها وتتزركش لي في أزهى ألوانها.. رائعة جدا هذه الحياة, أتشوّق اليها من بعيد, أتشوّق الى نعومتها ولطفها وبهجتها وحيويتها, وأحثّ الخطا الى مملكتها, لأغرق في عالمها وأنصهر بنارها, حتى اذا ما دنوت منها, رأيتني في عالم تتقاذفني الأمواج وتدميني الأشواك, عالم لعوب مضطرب وبئر ليس له قرار ودياجير ظلمة ليس لها اطار.
ولكن... وسط الظلمة وخلال عتمة البئر ثمّة شعاع من نور ساطع يمتد الى داخلي, تشبثت به كالغريق, شعاع لا أرى مصدره, تشبثت به بكل قواي فهو الأمل الوحيد للنجاة أو الخلاص, تعثرت وكدت أسقط أكثر من مرة وازددت به تشبثا, كاد الشعاع يفلت من قبضتي, جذبني الشعاع بقوة فانقدت له أتبعه, أخذني الشعاع بعيدا الى عالم آخر مليء بالسعادة والخلود, ووجدت في نهاية الشعاع نورا ساطعا وقوة خارقة..... وجدت الله.