مروان البلوشي's Reviews > How Proust Can Change Your Life

تكمن جاذبية كتاب "كيف يستطيع مارسيل بروست ان يغير حياتك" في كونه يخلط الفكر العميق بأدق تفاصيل مشاعرنا مع تحرر الكاتب من أي رهبة أو زيف يجبره على التمثيل بأنه مثقف نخبوي يترفع عن النزول لمستوى الناس العاديين. أو ادعاء أنه مصلح تنويري أو اجتماعي او إداري يحمل في جعبته خير البشرية .. وهذه في الحقيقة، ميزة الكاتب آلان دي بوتون.

اشتهر آلان دو بوتون في أوروبا الغربية بكونه أحد نجوم الجيل الجديد من الكتاب الذين استطاعوا إرجاع الشباب هناك (جيل MTV والماكدونالدز.....الخ) إلى القراءة الجادة، مستلهمين في ذلك تقاليد قديمة في الثقافة الغربية بدأت مع الكاتب الفرنسي ميشيل دي مونتين في القرن السادس عشر الميلادي.

لكن من هو مارسيل بروست الذي يتمحور حوله هذا الكتاب؟ مارسيل بروست هو أحد أهم كتاب الرواية في القرن العشرين (وربما كل العصور). عالم الأدب يتذكر بروست نتيجة لرواية واحدة فقط، وهي بالطبع : البحث عن الزمن الضائع. نقول باختصار أن الرواية تتناول موضوع طبيعة الزمن والوقت وأثره على الناس والحياة وذاكرة من يعيش معهم. أما أسلوبها فهو صعب حقاً، فقد تمتد الجملة الواحدة لفقرات عديدة وربما بضعة صفحات داخل الكتاب ..تخيل؟؟! ولكن ما يغفر لهذا الكتاب هو جماله المطلق، قدرته على القبض على اللحظة الآنية بدون إفلاتها، (بالإضافة لأسباب أخرى) وهذا ما دفع العديدين من الروائيين في الأجيال اللاحقة لقراءة العمل مراراً وتكراراً، وإعلان امتنانهم لمارسيل بروست.

أما كتاب آلان دو بوتون، فيتميز بحجمه الصغير، وجمله السهلة والمباشرة. ولأن دو بوتون كاتب ذكي يعيش بيننا في هذا الزمن فهو يعلم تمام العلم بأن كتب التنمية الذاتية والإدارية تلاقي رواجاً كبيراً عند غالبية القراء في كل أنحاء العالم. لذا يقوم بإسقاط أبرز تعاليم (إن صح التعبير) كتب التنمية الذاتية على حياة الكاتب الكبير والصعب والنخبوي والذي لم يفهمه أحد في حياته مارسيل بروست.
يتكون الكتاب من تسعة فصول، يحمل كل منها عنواناً يذكرك بعناوين كتب د. صلاح الراشد، أو ستيفن كوفي، أو إبراهيم الفقي وغيرهم من مشاهير التنمية الذاتية. فالفصل الثاني يحمل عنوان "كيف تكون صديقاً جيداً" والفصل الثامن "كيف تكون سعيداً في الحب"، وكل منها يقوم بإثبات العكس من حياة مارسيل بروست بطريقة كوميدية وسلسة وعميقة فكرياً، في آن واحد.

هدف هذا الكتاب هو منحنا شيئاً من التهكم والضحك (ولو قليلاً) على عبارات وأفكار التنمية الذاتية .. هل يجب علينا أن نكون جيدين ورائعين وحلوين طول الوقت؟ ... الكاتب يقول لا .. ويجعلك تقتنع معه.

يحمل أحد الفصول هذا العنوان الغريب "كيف تتعذب بنجاح في حياتك؟" أما الفصل الأخير فهو أشد غرابة إذ يحمل هذا العنوان "كيف ترمي الكتب جانبا؟" .. أعتقد أن القارئ سوف يستمتع ويضحك ويفكر بعمق مع آلان دي بوتون حول معنى الحياة والنجاح والألم والحب والفشل....الخ .. بعيداً عن كل ما تعود أن يتم حشو رأسه به.
يختتم آلان دي بوتون كتابه بملاحظة سوف تسعد ولا شك كل عشاق الأدب الرفيع .. يقول دي بوتون أننا نستطيع في عصرنا هذا، عصر البساطة والسطحية وتسهيل كل شي، عصر النفور من العمق والذكاء .. نستطيع أن نستعين بالأدب لنحسن حياتنا ونكون بشراً أفضل.