Araz Goran's Reviews > في بلاد الأشياء الأخيرة
في بلاد الأشياء الأخيرة
by
عندما تعبر الحياة في متاهة الموت، عندما يكون ذلك الموت هو الطريق الأوحد للنجاة والانعتاق من شرارة تلك الحياة الشرهة لألتهام أصغر دقائق الإنسانية والوجود، حين يضمحل القناع الذي يرتديه ذاك الوحش المسمى في عُرف الطبيعة إنساناً.. يكون حينها الموت والحياة جبهة واحدة يقاتل فيها ذلك الكائن البائس أبشع أنواع الجنون والإضمحلال في وادي العدم...
يحاول أوستر هنا أن يضع الحد الفاصل بين ما يسمى حضارة وبين مايمكن أن يحدث من إنهيار يجرف كل ماهو واقعاً مألوفاً في حياتنا المعاصر، يسرد أوستر التفاصيل الأولية لمعنى أن ترتدي هذه الحياة حلتها البشعة التي تمارس سلطتها بعيداً عن تلك الأزياء المبهجة التي تسمى قانوناً وإنسانية بنواحي عديدة من صور ومشاهد لا يتصور العقل يوماً أنها قد تحدث بسبب غياب أبسط مقومات الحضارة، بلد كامل
كما يصفه أوستر في حالة من الهيجان والعنف وكسر كل المفاهيم الأخلاقية للمجتمع، عالمٌ يحتوي لا يبدو مألوفاً يتصارع فيها الناس على لقمة صغيرة قد لا يُسد بها جوع، يتقاتلون من أجل قطعة ملابس رثة لا تجنبهم على أية حال برد الشتاء القاسي .. ذلك الشتاء نفسه عندما يشاهد الناس فيه إحتراق إحدى المباني يتدفقون إلى تلك الحرائق لا لإجل إنقاذ حياة المحاصرين هناك، بل من أجل الحصول على بعض التدفئة من جراء حرارة ووهج ذلك الاحتراق الذي يتراكم فيه صراخ الأرواح المحترقة والأجساد الملتهبة.. ينضم الناس إلى جماعات تمارس الركض لمسافات بعيدة لأجل الحصول على موت سريع نتيجة الأعياء الكامن في الركض الجنوني.. وليس غريباً أن ترى هناك إناساً يقفزون من سطوح الأبينة الشاهقة،يهبطون وهم في كامل أناقتهم !! ..
هذه الرواية مرعبة في تفاصيلها في عالمها في تشاؤمها أيضاً.. كل شئ ليس منهاراً بل على حافة الإنهيار وهذا ما يجعل الأمر أكثر سوءاً وبشاعة وعذاباً نفسياً لا ينتهي ومفارقة لكل أنواع المباهج.. حيث الحياة الوحيدة التي بما فيها من السقم والشقاء والعذاب ليست مضمونة.. هنا دائمة تكون على حافة شئ ما، قلقاً، راغبة في الإنتهاء من كل هذا العبث.. القراءة في هذه الرواية أشبه بالمرور في نفق ضبابي كئيب قابع غي اللامكان.. كأنها إحدى أبشع الكوابيس التي تراها في فترات مرضك..
تتساءل أخيراً... متى تصل الحياة إلى النقطة التي يقال فيها أنها لا تستحق أن تُعاش، أنا لا اتحدث هنا عن لحضات الغضب او الاكتئاب واليأس، بل الحياة حين تكون كالجحيم يتمادى فيها الالم الجسدي والنفسي معاً.. متى يمكن أن نقول أن الموت أفضل من الحياة ونحن في كامل لياقاتنا العقلية..
الرواية تبرز جوانب غير من متطرقة هذا النمط من القصص التشاؤمية المستقبلية، هي لا تبحث عن سرد قصصي بقدر ما ندخل في تفاصيل وأسرار الشخصيات وعالمهم الصغير الذي يلتحم دائماً مع العالم الكبير في نسيج يبدو واقعياً جداً بعض الأحيان وفي أوقات أخرى تبدو ملفقة ومجرد سرد وملئ الرواية بتفاصيل لا تتلائم مع سياق الرواية.. النصف الثاني لم يكن بمستوى القسم الأول منها حيث أكتفى أوستر أن يدقق في تفاصيل معينة ويسرد كعادته تلك التفاصيل التي أضعفت كثيراً من قيمة الرواية.. على كل حال تستحق القراءة لما فيها من تجربة روائية مميزة ودخول في عوالم جديدة لم نحظى بالدخول فيها من قبل....
by
Araz Goran's review
bookshelves: أدب, روايات, ادب-سوداوي, الادب-الأمريكي
May 21, 2016
bookshelves: أدب, روايات, ادب-سوداوي, الادب-الأمريكي
Read 2 times. Last read June 26, 2021 to July 1, 2021.
عندما تعبر الحياة في متاهة الموت، عندما يكون ذلك الموت هو الطريق الأوحد للنجاة والانعتاق من شرارة تلك الحياة الشرهة لألتهام أصغر دقائق الإنسانية والوجود، حين يضمحل القناع الذي يرتديه ذاك الوحش المسمى في عُرف الطبيعة إنساناً.. يكون حينها الموت والحياة جبهة واحدة يقاتل فيها ذلك الكائن البائس أبشع أنواع الجنون والإضمحلال في وادي العدم...
يحاول أوستر هنا أن يضع الحد الفاصل بين ما يسمى حضارة وبين مايمكن أن يحدث من إنهيار يجرف كل ماهو واقعاً مألوفاً في حياتنا المعاصر، يسرد أوستر التفاصيل الأولية لمعنى أن ترتدي هذه الحياة حلتها البشعة التي تمارس سلطتها بعيداً عن تلك الأزياء المبهجة التي تسمى قانوناً وإنسانية بنواحي عديدة من صور ومشاهد لا يتصور العقل يوماً أنها قد تحدث بسبب غياب أبسط مقومات الحضارة، بلد كامل
كما يصفه أوستر في حالة من الهيجان والعنف وكسر كل المفاهيم الأخلاقية للمجتمع، عالمٌ يحتوي لا يبدو مألوفاً يتصارع فيها الناس على لقمة صغيرة قد لا يُسد بها جوع، يتقاتلون من أجل قطعة ملابس رثة لا تجنبهم على أية حال برد الشتاء القاسي .. ذلك الشتاء نفسه عندما يشاهد الناس فيه إحتراق إحدى المباني يتدفقون إلى تلك الحرائق لا لإجل إنقاذ حياة المحاصرين هناك، بل من أجل الحصول على بعض التدفئة من جراء حرارة ووهج ذلك الاحتراق الذي يتراكم فيه صراخ الأرواح المحترقة والأجساد الملتهبة.. ينضم الناس إلى جماعات تمارس الركض لمسافات بعيدة لأجل الحصول على موت سريع نتيجة الأعياء الكامن في الركض الجنوني.. وليس غريباً أن ترى هناك إناساً يقفزون من سطوح الأبينة الشاهقة،يهبطون وهم في كامل أناقتهم !! ..
هذه الرواية مرعبة في تفاصيلها في عالمها في تشاؤمها أيضاً.. كل شئ ليس منهاراً بل على حافة الإنهيار وهذا ما يجعل الأمر أكثر سوءاً وبشاعة وعذاباً نفسياً لا ينتهي ومفارقة لكل أنواع المباهج.. حيث الحياة الوحيدة التي بما فيها من السقم والشقاء والعذاب ليست مضمونة.. هنا دائمة تكون على حافة شئ ما، قلقاً، راغبة في الإنتهاء من كل هذا العبث.. القراءة في هذه الرواية أشبه بالمرور في نفق ضبابي كئيب قابع غي اللامكان.. كأنها إحدى أبشع الكوابيس التي تراها في فترات مرضك..
تتساءل أخيراً... متى تصل الحياة إلى النقطة التي يقال فيها أنها لا تستحق أن تُعاش، أنا لا اتحدث هنا عن لحضات الغضب او الاكتئاب واليأس، بل الحياة حين تكون كالجحيم يتمادى فيها الالم الجسدي والنفسي معاً.. متى يمكن أن نقول أن الموت أفضل من الحياة ونحن في كامل لياقاتنا العقلية..
الرواية تبرز جوانب غير من متطرقة هذا النمط من القصص التشاؤمية المستقبلية، هي لا تبحث عن سرد قصصي بقدر ما ندخل في تفاصيل وأسرار الشخصيات وعالمهم الصغير الذي يلتحم دائماً مع العالم الكبير في نسيج يبدو واقعياً جداً بعض الأحيان وفي أوقات أخرى تبدو ملفقة ومجرد سرد وملئ الرواية بتفاصيل لا تتلائم مع سياق الرواية.. النصف الثاني لم يكن بمستوى القسم الأول منها حيث أكتفى أوستر أن يدقق في تفاصيل معينة ويسرد كعادته تلك التفاصيل التي أضعفت كثيراً من قيمة الرواية.. على كل حال تستحق القراءة لما فيها من تجربة روائية مميزة ودخول في عوالم جديدة لم نحظى بالدخول فيها من قبل....
Sign into Goodreads to see if any of your friends have read
في بلاد الأشياء الأخيرة.
Sign In »
Quotes Araz Liked
“كان رجلاً من الصنف الذي لا يمكن توقعُ ردات فعله، مُرتفع المعنويات في دقيقة ما، ومُحطماً في الدقيقة التالية”
― In the Country of Last Things
― In the Country of Last Things
Reading Progress
May 20, 2016
–
Started Reading
May 21, 2016
– Shelved
May 21, 2016
– Shelved as:
أدب
May 21, 2016
– Shelved as:
روايات
May 22, 2016
–
27.49%
"" كان رجلاً من الصنف الذي لا يمكن توقعُ ردات فعله، مُرتفع المعنويات في دقيقة ما، ومُحطماً في الدقيقة التالية ""
page
58
May 24, 2016
–
Finished Reading
June 26, 2021
–
Started Reading
July 1, 2021
–
Finished Reading
July 7, 2021
– Shelved as:
ادب-سوداوي
July 7, 2021
– Shelved as:
الادب-الأمريكي