ظل نجيب الريحاني [1892-1949] يشغل المصريين على امتداد ما يزيد على نصف قرن, منذ برز اسمه خلال الحرب العالمية الأولى حين قدم شخصية "كشكش بك" عمدة "كفر بلاص" في اسكتشات غنائية, تحولت بعد ذلك إلى مسرحيات من فصل واحد ثم من ثلاثة فصول, تروي مغامرات العمدة الريفي الذي يبيع القطن ثم يرحل إلى المدينة ومعه تابعه "زعرب" فيتلقفه سماسرة الفساد ويقودونه إلى علب الليل ويتعاونون على سلب أمواله وفيما بعد انتقل الريحاني ليقدم مع صديقه ومؤلف معظم مسرحياته "بديع خيري" شخصية الأفندي إبن الطبقة المتوسطة الصغيرة والذي يعاني من تناقضات المجتمع, فلمع اسمه كأحد مؤسسي المسرح الكوميدي , وكان أول فنان تصنع له تماثيل من الجبس تباع في أسواق القرى
في هذا الكتاب يروي نجيب الريحاني مذكراته منذ أن بدأ العمل بالمسرح عام 1908 حتى عام 1937 الذي عرض فيه فيلمه السينمائي الخامس "سلامة في خير", ويقدم صورة لتاريخ المسرح المصري خلال أربعة عقود
نجيب إلياس ريحانة، ممثل فكاهي مصري، ورائد من رواد الفن المصري والعربي في النصف الأول من القرن العشرين. اشتهر بشخصية كشكش بيه، قدم العديد من المسرحيات والأفلام، منها فيلم غزل البنات الذي اختير ليكون تاسع أفضل فيلم في تاريخ السينما المصرية. ولد نجيب الريحاني عام ١٨٨٩م بالقاهرة، لأب عراقي مسيحي وأم مصرية قبطية. كان أبوه يعمل بتجارة الخيل. وقد نشأ الطفل في منطقة باب الشعرية، فعاشر الطبقات الشعبية الفقيرة والبسيطة. كان الريحاني مولعا بأمه، وورث عنها حس الفكاهة، فكان يسخر كما تسخر هي من المتناقضات الاجتماعية التي يعج بها المجتمع المصري في تلك الفترة، إلا أنه كان يمارس هذه السخرية بخجل، فقد كان الريحاني شخصية انطوائية، لا يخالط الناس كثيرا ويفضل الانعزال. أدخلَهُ أبوه مدرسة الفرير، حيث أتقن الفرنسية، واستمر في دراسته إلي أن حصل على شهادة البكالوريا، إلا أنه لم يكمل تعليمه بسبب تدهور تجارة والده، واكتفى بهذه الشهادة. واضطر الريحاني للعمل من أجل مساعدة أسرته، فعمل كاتبا للحسابات بشركة السكر بنجع حمادي بالصعيد، وكانت ملكًا للاقتصادي المصري عبود باشا. وكان يتقاضى راتب لا بئس به آنذاك يصل إلى ستة جنيهات شهريًا، ومع ذلك وجد الريحاني أن هذه الوظيفة لا تشبع رغبته فقرر أن يتركها، وظل يبحث عن عمل آخر، إلي أن قادته الأقدار إلى مقابلة صديق له يدعى محمد سعيد وكان يعشق التمثيل، فاقترح على الريحاني أن يكونا معًا فرقة مسرحية تقدم اسكتشات خفيفة لجماهير الملاهي الليلية في شارع عماد الدين. وما أن بدأ الريحاني مشواره الفني حتي لمع نجمه، واشتهر بين الناس، لما يملكه من موهبة تمثيلية فذة وحس فكاهي عبقري. وقد تزوج الريحاني من الراقصة بديعة مصابني وأنجب منها بنتًا، ولم يستمر زواجهما بسبب غيرتها عليه. وقد توفي الريحاني عام ١٩٤٩م، بعد إصابته بمرض التيفود، وكان قد شارف على الانتهاء من تصوير فيلم غزل البنات، فعُدلت نهاية الفيلم قسرًا، حتى يتم عرضه، ولاقى الفيلم نجاحا كبيرًا بل إنه عد من أحسن الأفلام التي عرضت في تاريخ السينما المصرية.
كتاب خفيف الظل دقيق في تفاصيله يكشف الكثير عن أعمال الفنان العظيم ونجاحاته وإخفاقاته وعلاقاته بالممثلين الزملاء والمتعهدين والصحفيين وغيرهم. لقد لاقى هذا الرجل الكثير فعلا في حياته، وصدق إذ قال "يا ما دقت عالراس طبول" .
تاريخ نجيب الريحاني مهم جداً باعتباره مؤسس مفهوم الكوميدية السينمائية في العالم العربي، وتكاد تمتد جذور الكوميدية في السينما والتلفزيون إلى أعمال نجيب الريحاني فنشاهد في الخليج عبدالحسين عبدالرضا امتداداً للريحاني وفي مصر اليوم هنيدي وغيره امتداداً للريحاني... وتحتاج سيرته لتسليط الضوء عليها بجدية أكثر.. صوت نجيب الريحاني الشاحب والمرتفع أصيل ولايتكرر، وتستطيع أن تسمعه عندما تقرأ كلامه عن نفسه بأسلوبه الممتع والطريف.. وبالرغم من خفة دمه العالية إلا إنك تلاحظ خلفها الأحزان والآلام.. كل المشاكل السينمائية في زمنة من سرقة أدوار وسرقة أفلام أجنبية لم تزل تتكرر إلى اليوم.. عايش الريحاني مرحلة مهمة وهي مرحلة انتقال السينما من الصامتة إلى الناطقة، وعمل فيلم صامت ثم حقق نجاحات بالأفلام الناطقة، وكان من أهم مميزاته كتابته الذكية للحوارات في أفلامه الناطقة، وكانت كتابته بالتعاون مع بديع خيري الذي كتب مقدمة عميقة عن صديق دربه نجيب الريحاني.. تحكي سيرة نجيب الريحاني مرحلة مهمة من سيرة السينما في العالم العربي