Film Analysis
Film Analysis
Film Analysis
" الحياة قصيرة .حاول قدر اإلمكان أن تتجنب إهدار ساعتين منها في فيلم لن تستمتع به".
روجر إيبرت....
تعتبر السينما أحد أكثر األنشطة الثقافية جماهيرية في عالمنا المعاصر ،فهي تقوم بالدور الذي كان
يشغله المسرح في عصر شكسبير ،والمكانة التي كان الرسم يحظى بها في عصر دافنشي ،وبسبب
هذه الشعبية الهائلة للسينما ،أصبح لها تأثير كبير على حياة اإلنسان المعاصر ،لذلك لم يعد بإمكاننا أن
نكون مجرد متلقين سلبيين لما تعرضه لنا األفالم ،لقد أصبح من الضروري لكل من يتابع السينما أن
يكون على دراية بالحد األدنى من الثقافة السينمائية.
في روايته "راوية األفالم" يقول (إيرنان إيبيرا لتيلير) على لسان ماريا" :اكتشفتُ في ذلك الحين أن
الناس جميعا ً يرغبون في أن تُروى لهم قصص وأنهم يريدون الخروج للحظات من الواقع والعيش
في تلك العوالم الخيالية التي تقدمها األفالم والتمثيليات اإلذاعية ،بل إنهم يرغبون في أن تُروى لها
األكاذيب على أن تروى تلك األكاذيب بصورة جيدة ومن هنا يتكشف سر نجاح المحتالين والنصابين
الماهرين في الكالم".
لطالما كانت السينما بالنسبة للناس بوابة صغيرة مفتوحة على الحلم ،في بدايتها كانت تُصنع من نفس
صنعت منها أول
مادة األحالم ،فغالبا ما تكون أحالمنا باألبيض واألسود واأللوان الرمادية التي ُ
يميز بين الخيال والواقع ،وفي قاعة السينما إذا ألقيت نظرة على
صورة ،في الحلم ال أحد يستطيع أن ِّ
وجوه الناس بنظراتهم الهائمة ،ستعرف أنهم يحلمون لكنه حلم بأعين مفتوحة ،فمنذ أن وجدت تلك
القاعة السحرية ،لم يتمكن الناس من مقاومة إغراء الهروب من أنفسهم داخلها إلى احتماالت أكثر
رحابة.
يقع المشاهد بخياله ومشاعره أسيرا للتجربة الجديدة التي يمنحها إياه الفيلم ،فال يعود بعد هذه التجربة
كما كان قبلها ،عند هذه اللحظة تحدث معظم التأثيرات السلوكية والمعرفية لدى الناس ،تحدث خارج
نطاق وعيهم المباشر ،إنهم يعرفون جيدا أن ما شاهدوه مجرد قصة خيالية لكن مشاعرهم تظل تعزف
موسيقى الحكاية التي عاشوها.
هذه المشاعر هي تحديدا المادة التي يتكون منها الوعي اإلنسان ،هذا الالوعي الذي اكتشف علماء
النفس قوته وتأثيره الهائل على حياة األفراد وسلوكياتهم ،وقالوا إن هذا االكتشاف هو الجرح الثالث
الذي أصاب كرامة وكبرياء اإلنسان الحديث بعد جرح اكتشاف أن الشمس ال تدور حول األرض،
والجرح الذي سببته نظرية التطور.
ففي أواخر العشرينات خرجت مجموعة من الدراسات التي تبحث التأثير الذي تحدثه مشاهدة األفالم
على سلوكيات الناس ،نتج عنها كتب تحمل عناوين مثل "األفالم والسلوك" ،و"األفالم والجنوح
للجريمة" وكانت هذه الكتب تبحث تأثير أفالم معينة على طلبة المدارس والجامعات والمراهقين في
إصالحيات األحداث .وبالرغم من أن الكتب لم توجه اتهامات شاملة لألفالم إال أنها وجهت األنظار
إلى المخاطر المحتملة التي يمكن أن تسببه.
تؤكد هذه األبحاث التأثيرات المختلفة للفيلم على السلوك .المشاهدون في الغالب يجهلون أن شيئا (فيلم
عنيف) يتسبب في شيء آخر (سلوكهم العدواني) ،هناك تأثير آخر هو تأثير المحاكاة التي يُغري بها
الفيلم ،خصوصا إذا كان جزء كبير منه يتقاطع مع واقع حقيقي ُمعاش ،الفرق أن المحاكاة تحدث
بوعي من المتلقي ،حيث أن المحاكين يدركون تأثير األفالم عليهم ،لكنهم يعانون من نقص مؤسف
في القدرة على التأمل النقدي.
سجلت هذه األبحاث الكثير من الوقائع مثل الواقعة التي حدثت في عام ١٩٩٩عندما قام إريك
هاريس وديالن كليبولد بإطالق النار بطريقة جنونية في مدرسة ثانوية بوالية كولورادو؛ مما أسفر
صا وإصابة ٢١آخرين بجراح قبل أن يُط ِّلقا النار على نفسيهما؛ أثناء اقتحامهما
عن مقتل ١٣شخ ً
مطر أسود اللون يشبه المعاطف التي ارتدتْها شخصيات فيلم
ٍ معطف
َ للمدرسة ،كان كل ِّمنهما يرتدي
حول عملية تبادل إطالق النار الهستيري إلى َمشاهِّد
"المصفوفة ،" The Matrixوهو الفيلم الذي َّ
أشبه برقصات الباليه ،يجعلنا هذا الموقف نتساءل :هل أراد هاريس وكليبولد محاكاة رباطة الجأش
الشديدة التي بدا عليها نيو (كينو ريفز)؟
لكن يجدر اإلشارة إلى أن الباحثين يفقدون حسهم الجمالي في خضم التحليالت اإلحصائية والتجارب
العملية ،حيث أن ما يدفعهم هو القلق والمخاوف االجتماعية وليس تقدير األفالم ،لذا هم يركزون على
التأُثيرات السلبية المحتملة أكثر من اإليجابية ،لكن الحقيقة أن ما يمكن أن تقدمه األفالم أوسع كثيرا
من هذه الدائرة الضيقة.
تعمل السينما بشكل مدهش في مساعدتنا على النضج ،فمشاهدة اآلخر وفهمه ينعكس في النهاية على
فهم أعمق لذواتنا.
على عكس النتائج السلبية للدراسات السابقة ،كشفت دراسة جديدة أُجر َيت على مدى ثالثة أعوام أن
معدالت الطالق انخفضت إلى أكثر من النصف من خالل مشاهدة الزوجين أفال ًما عن العالقات بين
األزواج ومناقشتها بعد ذلك .في الحقيقة ،إن فكرة استخدام األفالم في أغراض أبعد من مجرد الترفيه
واالستمتاع المؤقت ،ليست فكرة جديدة كليا ،فعندما نضج المسرح كأول سلف للسينما عند اإلغريق،
لم يكن حضور المسرحيات بغرض "الترفيه" فقط ،ألن اإلغريق كانوا يعتقدون بشدة أن المسرح
يمكنه أن يشفي أرواحهم ويمدهم بالحكمة الالزمة للتغلب على مصاعب الحياة ،لقد كانوا يؤمنون
بوجود رابط بين المسرح والدين والفلسفة وكل القوى التي تخاطب الروح.
لذلك اعتقد أرسطو قديما أن مشاهدة التراجيديا يمكنها أن تحرر المشاهد من الشعور بالظلم والشفقة
على الذات ،فعندما يشاهد الحضور إمكانية أن يدفع البطل ثمنا باهظا عن خطأ صغير جدا يشعرون
بالتعاطف معه ،مما يجعلهم أكثر قدرة على التسامح مع اآلخرين ،إن فهم الحياة عن طريق القصص
والحكايات هي واحدة من المكونات األساسية التي يعمل بها العقل ،فأشكال السرد المختلفة ال تساعدنا
على فهم الخيال فحسب ،بل تساعدنا على فهم أنفسنا أيضا .إن خبرة مشاهدة فيلم ما تجعل ما عشناه
نفرق
خالل هذا الفيلم جزءا حيَّا من نسق ذاكرتنا الشخصية ،فال نعود مع مرور الوقت نستطيع أن ِّ
بين الفيلم وبين ما عايشناه ،لذلك تشكل األفالم التي شاهدناها جزءا من هويتنا.
يؤكد الفيلسوف "آالن دو بوتون" رأي أرسطو ،فيقول أن األفالم أيضا يمكنها أن تكون سببا في
تقلل من شعورنا بالجدية تجاه
مساعدة الناس على عيش حيواتهم بطريقة أفضل ،فهو يرى أن األفالم ِّ
مشاكلنا ،فتجعلنا نسخر منها عندما نشاهدها تتجسد بسخرية على الشاشة ،فنصبح ال نأخذ مصاعب
الحياة على محمل الجد ،تقدم الكثير من أفالم "وودي آالن" هذا الحس الساخر من الحياة ومشكالتها؛
يرى بوتون أيضا أن األفالم تساعدنا في أن نكون أكثر حرصا وأكثر تقديرا لقيمة الوقت وقيمة
األشياء الصغيرة في حياتنا ،عن طريق إبراز الطريقة التي يمكن أن تحول بها ثانية واحدة أو حدث
ِّ
شديد البساطة مجرى حياة شخص ما لألبد ،يعد فيلم السيد ال أحد ) (Mr. Nobodyنموذجا واضحا
لهذه الفكرة.
كما أن الفن بوسعه أن يعيد صياغة التفاصيل العادية والمبتذلة في حياتنا ويستحثنا على إلقاء نظرة
جديدة عليها ،لهذا يمكن أن تعيد األفالم البريق لحياتنا اليومية التي نشعر تجاهها بالضجر والملل،
وتصور الكثير من الجمال الذي تمتلئ به حياتنا اليومية ،تعمل السينما أيضا بشكل مدهش في
مساعدتنا على النضج ،فمشاهدة اآلخر وفهمه ينعكس في النهاية على فهم أعمق لذواتنا.
لكي يمكننا لمس تلك اليوتوبيا التي تعدنا بها السينما في حياتنا الواقعية ،سيكون علينا أن نكون
مدركين للطريقة التي تعمل بها ،بالرغم من أن الكثير من النقاد يقفون ضد محاوالت تحليل األفالم،
العتقادهم أن محاولة فهم كيف تعمل مكونات الفيلم سويا ،ينزع الغموض عن الفيلم وبالتالي يؤثر
بالسلب على الخبرة الجمالية التي نعيشها ويقلل شعورنا بالمتعة.
لكن الحقيقة أن االنتباه لكل ما نشاهده يشحذ تجربتنا السينمائية ويزيد روعتها ويجعل من خبرة
المشاهدة متعة تتعدى الوقت القصير الذي نقضيه في المشاهدة ،ألننا من خالل االنتباه لما نشاهد،
يمكننا أن نكتشف أغوار أبعادا أخرى للفهم ،ال يستطيع غير الشاعر وحده داخلنا أن يدركها.
هناك أيضا اعتقاد شائع أنه ال يمكن لغير المتخصصين التعليق على األفالم أو مناقشتها ،لكن "روجر
إيبرت" الناقد السينمائي الشهير يقول أن كل شخص يمكنه أن يقرأ الفيلم ويناقشه ويتبنى وجهة نظر
خاصة حوله ،سيجد كل فرد أن لديه الكثير ليقوله إذا انتبه جيدا إلى الصورة التي تُعرض أمامه على
تعبر كل صورة وكل
الشاشة ،ال يوجد مصادفات في تصوير الفيلم ،يعمل كل مخرج بدقة بالغة لكي ِّ
يصور الواقع كما هو ،ما يظهر أمامنا هو فقط ما
ِّ حركة وكل صوت عن شيء ما يود قوله ،فالفيلم ال
تحركها إرادة المخرج وصناع الفيلم.
تصوره الكاميرا ،والتي ِّ
ينصح "روجر إيبرت" المشاهد قبل مشاهدة الفيلم أن يتعرف جيدا إلى المخرج وجهة اإلنتاج ،وأن
يقرأ مراجعات النقاد حول الفيلم .وألن عملية النقد هي عملية متحيزة وذاتية ،على المشاهد أن يبحث
عن أحد النقاد الذي تروق له آراؤه ويقرأ رأيه في الفيلم الذي يود مشاهدته .الناقد الجيد يرسم صورة
واضحة للموضوع الرئيسي الذي يطرحه الفيلم ،فيساعد المشاهد على حسم قراره .وبالتأكيد إذا
أعجبت بفيلم ،ابحث عن أفالم نفس المخرج ،فغالبا يكون معيار جودة الفيلم هو المخرج أكثر من أي
عوامل أخرى .يمكنك أيضا أن تستعين بالنقاط التالية كي تتعرف على الفيلم بشكل أفضل:
انتبه جيدا للموسيقى التصويرية ،ومدى انسجامها مع األحداث والشخصيات والمزاج العام للفيلم.
–جهة اإلنتاج :هل أنتجته أحد االستوديوهات الضخمة ،أن استوديو صغير ،أم جهة إنتاج مستقلة؟
ولماذا تم إنتاجه.
–التقييم :تعرف على تقييم الجمهور والنقاد للفيلم( .هل كان هناك أي جدل حول التقييمات التي
حصل عليها؟).
–التصنيف :هل هو فيلم (دراما ،مغامرات ،رومانسي ،كوميدي…إلخ) وإذا كان يجمع بين نوعين
فما هما؟ أم أنه ال يقع تحت أي من التصنيفات المتعارف عليها؟
–هل هو تكملة لجزء سابق؟ أو مقتبس عن رواية معروفة؟ أو نسخة جديدة من فيلم تم إنتاجه مسبقا؟
–ميزانية اإلنتاج :هل تكلف إنتاج الفيلم ميزانية ضخمة ،أم متوسطة ،أم ضئيلة؟
–أثناء المشاهدة :تعرف على (الحبكة ،والشخصيات المهمة ،واألحداث الرئيسية .إلخ) ،أي تعرف
على ملخص للقصة بما فيها الزمان والمكان والشخصيات وتفاعالتها ،والموضوعات التي يتعرض
لها الفيلم .إذا كان الفيلم يستحق شاهده مرة أخرى.
–فكر بشكل أكثر تركيزا حول (بنية الفيلم ،اإلخراج ،التمثيل ،التصوير ،زوايا الكاميرا ..إلخ).
–العنوان والبداية والنهاية( :لماذا تم اختيار هذا العنوان تحديدا؟ هل كان هناك عناوين أخرى
مقترحة؟ ما أول صورة وأول صوت بدأ بهما الفيلم؟ هل النهاية كان بها شيء مميز؟ هل ترمز البداية
أو النهاية لشيء ما معروف؟)
–الموسيقى التصويرية :انتبه جيدا للموسيقى التصويرية ،ومدى انسجامها مع األحداث والشخصيات
والمزاج العام للفيلم.
تساعد كل هذه العوامل على رؤية رسالة أو موضوع الفيلم بشكل أكثر عمقا ،لكن تجربة المشاهدة
والتحليل ستظل تجربة شديدة الذاتية ،يتلقاها كل فرد بطريقته الخاصة ،ربما تعد هذه أحد أهم
مميزات الفن ،أنه يمنحنا إمكانية نسج فهمنا الخاص حول ما نتلقاه ،فاألعمال الفنية ليست الطريقة
الوحيدة التي يمكن أن يخلق بها اإلنسان أعماال إبداعية.
إذ تعد القدرة على التلقي والتذوق الفني أيضا نوعا من اإلبداع ،لذلك يرفض المخرج اإليراني األشهر
"عباس كيارستمي" أن تكون ألعماله معنى واحد ثابت ويرفض أن تكون هناك قراءة نهائية للفيلم،
فالسينما عنده ليست إال حوارا بين مبدع الفيلم وجمهوره ،فهو ال يحقق أفالمه لالستهالك بالمعنى
السلبي المعتاد ،لكنه يحرض جمهوره على التفاعل والتفكير والمساءلة وأن يصبح مشاركا بفاعلية
في الفعل اإلبداعي ،فالمتفرج يأخذ من الفيلم بقدر ما يمنحه من وعي وشعور وعاطفة.
"األفالم تلمس قلوبنا وتوقظ رؤيتنا ،وتغير طريقة رؤيتنا لألشياء .إنها تأخذنا إلى أماكن أخرى،
تفتح األبواب والعقول .األفالم هي ذكريات حياتنا ،ونحن بحاجة إلى إبقائهم على قيد الحياة".
(مارتن سكورسيزي)