يقدم لنا الأديب والكاتب والشاعر مصطفى صادق الرافعي لوحات خلابة من بحار الأدب و ألوان الكلم العذب ، فمثل مصطفى الرافعي لا تحدد مؤلفاته بعددها ، بل تقاس ببلاغة السطور و روعة الكلمات ، وتحصى بجمال المعاني وعمق المفاهيم الأدبية و نضارة الصور المجازية ، و من أجمل ما قدم الرافعي كتابه ( حديث القمر ) ، وهو حوار خلاّب يدور في عقل كاتبه بينه وبين القمر ، بين خواطر الروح و ضوء القمر ، تمتع العقول بتنوع الأفكار و أصالة الفهم الذكي للواقع والنقد الفني للحياة .
مصطفى صادق الرافعي 1298 هـ - 1356 هـ ولد في بيت جده لأمه في قرية "بهتيم" بمحافظة القليوبية عاش حياته في طنطا وبذلك يكون الرافعي قد عاش سبعة وخمسين عاماً كانت كلها ألواناً متعددة من الكفاح المتواصل في الحياة والأدب والوطنية.
اسمه كما هو معروف لنا مصطفى صادق الرافعي وأصله من مدينة طرابلس في لبنان ومازالت اسرة الرافعي موجودة في طرابلس حتى الآن أما الفرع الذي جاء إلى مصر من أسرة الرافعي فأن الذي اسسه هو الشيخ محمد الطاهر الرافعي الذي وفد إلى مصر سنة 1827م ليكون قاضياً للمذهب الحنفي أي مذهب أبي حنيفة النعمان وقد جاء الشيخ بأمر من السلطان العثماني ليتولى قضاء المذهب الحنفي وكانت مصر حتى ذلك الحين ولاية عثمانية. ويقال أن نسب أسرة الرافعي يمتد إلى عمر بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وقد جاء بعد الشيخ محمد طاهر الرافعي عدد كبير من اخوته وأبناء عمه وبلغ عدد أفراد أسرة الرافعى في مصر حين وفاة مصطفى صادق الرافعي سنة 1937 ما يزيد على ستمائة. وكان العمل الرئيسي لرجال أسرة الرافعى هو القضاء الشرعي حتى وصل الأمر إلى الحد الذي اجتمع فيه من آل الرافعي أربعون قاضياً في مختلف المحاكم الشرعية المصرية في وقت واحد وأوشكت وظائف القضاء والفتوى أن تكون مقصورة على آل الرافعي.
وكان والد الرافعي هو الشيخ عبد الرازق الرافعي الذي تولى منصب القضاء الشرعي في كثير من اقاليم مصر وكان آخر عمل له هو رئاسة محكمة طنطا الشرعية. أما والدة الرافعى فكانت سورية الأصل كأبيه وكان أبوها الشيخ الطوخي تاجراً تسير قوافله بالتجارة بين مصر والشام وأصله من حلب وكانت اقامته في بهتيم من قرى محافظة القليوبية.
دخل الرافعي المدرسة الابتدائية ونال شهادتها ثم أصيب بمرض يقال انه التيفود أقعده عدة شهور في سريره وخرج من هذا المرض مصاباً في أذنيه وظل المرض يزيد عليه عاماً بعد عام حتى وصل إلى الثلاثين من عمره وقد فقد سمعه بصورة نهائية. لم يحصل الرافعي في تعليمه النظامى على أكثر من الشهادة الابتدائية. توفي في يوم الاثنين العاشر من مايو لعام 1937 استيقظ فيلسوف القرآن لصلاة الفجر، ثم جلس يتلو القرآن، فشعر بحرقة في معدته، تناول لها دواء، ثم عاد إلى مصلاه، ومضت ساعة، ثم نهض وسار، فلما كان بالبهو سقط على الأرض، ولما هب له أهل الدار، وجدوه قد فاضت روحه الطيبة إلى بارئها، وحمل جثمانه ودفن بعد صلاة الظهر إلى جوار أبويه في مقبرة العائلة في طنطا.
عندما تعجز روايات وكتب الكون على إخراجك من حالة اليأس والإحباط تضطر إلى أن تلجأ لسلاح الأدب الأكثر رفعه والأكثر أصاله والأكثر ذوقا. تلجأ إلى سلاح السحر الذى يداوي جروحك , تلجأ إلى أديب قادر على أن يجذبك إلى عالمه وأن تعيش معه. أديب قادر على جعلك تطير مع (السحاب الاحمر )وتنصت الى (حديث القمر) وتجاهد (تحت راية القرآن ) وتتلقى (وحى القلم )وتكتب على (اوراق الورد) وترسل (رسائل الأحزان ) وتشعر ب(المساكين ) مصطفى صادق الارفعى حقا ان من البيان لسحر
عمق في التعابير ، مصطلحات في غاية الفخامة ، تشبيهات خرافية أحيانا ، غامضة أحيانا لدرجة إني أكاد أجزم أنه لو قرأ النص خمسة أشخاص لخرج كل واحد بتفسير ولما استطعت ان تخطأ أحدهم .. لا يخلو سطر من عبقرية وفلسفة وملكة الرافعي ..
هناك بعض التكلف في بعض الأجزاء .. الكتاب يحتاج الى تأني في القراءة واعاد لبعض المقاطع لعدة مرات .. كتاب مميز لمن أراد تنمية القريحة والملكة اللغوية ..
مناسب جدًا لمحبي الفلسفة والكلمات النخبوية والأدب الفخم ، غير مناسب أبدًا لمحبي البساطة والفكرة المباشرة ..
عندما يكون القمر امرأة عندما يتأمله الرافعي ...................
من الكتاب: ليس كل من عصر عينيه فقد بكى ,إن البكاء أشرف من ذلك
تُرى من أين يُذبح الإنسان إن كانت دموعه هي دماء روحه؟
ليس كل مايعجبك يرضيك,ولكن كل مايرضيك يعجبك ,فالجمال الوصفي الذي يُقاس بالنظر ويخرج منه الفكر بنسبة هندسية,جمال صحيح وحري أن يكون معجباً,ولكنه على كل حال بناء جسم�� كالقصر المشيد الذي يُعجب الفقير المعدم فيتمناه ,فإن هو صار له خالياً لم يرضه,لايلتحف سقوفه المموهة ,ولايفترش أرضه الموطأة,ولايلبس جدرانه الموشاة,ولايقتات من هوائه الطلق ,أما الجمال الذي يرضي فهو الذي يشف عن صورة روحك بغير مايخيلها لك ماء الحياة العكر.
أبغض الساعة لإنها ميزان تبين مقدار السم البطيء الذي ينفثه في الحياة ذنب عقربها بتلك الحمة المسددة إلى الساعات والدقائق .
حينما يحرص الزمن على أن لايخطيء في حسابنا نحرص على أن لانخطيء في حسابه!
كلمتان هما تعريف السعادة التي ضل فيها ضلال الفلاسفة والعلماء,وهما من لغة السعادة نفسها ,لإن لغتها سلسة قليلة المقاطع كلغة الأطفال التي ينطوي الحرف الواحد منها على شعور النفس كلها.أتدري ماهما؟ أفتدري مالسعادة,طفولة القلب.
ولو عقَلَ الفقير المسكين لعرف أنه مهما صغرت قطعة الزجاج الملونة فإنها تصبغ الفضاء الواسع كله بلونها في رأي العين,فالفقر هو الذي صبغ الغني بألوانه البهجة الرفافة لا الغنى .
الفرق بعيد أن تكون القوة اّتية من للقلب من العقل ,وبين أن تكون اّتية للعقل من القلب ,فإن تسلط أحدهما على الاّخر يضعف أكثر خواصه
إنه لاموضع في قلبه للحب ,لإن الحب مؤمن ,ولامظهر في نفسه للجمال,لأنها مظلمة يسطع فيها جمال الشمس ,ولايجاوز في عينه منظر جمرة تلتهب أو قرص من السرجين يشتعل
والفكر نفسه يكون في كثير من الأشياء أجمل منها لأنه روحها,ولأنه غير محدود في نفسه بالنظر ولا بالصفة الجميلة التي يحدها النظر ,إلا الفكر في الحبيبة الحسناء ,فإنه دائما أجمل منه لأنها روحه,ولأن هذا الفكر مهما اتسع لايجد نفسه إلا محدوداً بجمالها
أسلوب الرافعي صعب جداً ومعقد، لكن بين طيات عباراته معان عميقة جداً تنم عن روح شفافة دقيقة الإحساس والاستنباط.
غير أني رغم ذلك لم أستمتع بالكتاب، على ما فيه من بعض التشبيهات والتعابير العالية، وذلك لوعورة الأسلوب الشديدة، والتي ترهق القارئ كثيراً إن أراد التوقف عند كل جملة من أجل فهم معناها وما يريده الكاتب منها.
لا أحبذ هذا النوع المتكلف من الأساليب، وأفضل عليه الأسلوب البسيط الواضح والعميق في نفس الوقت، لذلك وجدت نفسي أفضل كتابات المنفلوطي على الرافعي، وقد كان بينهما جفاء، وكان من جملة ما انتقده المنفلوطي في الرافعي (غموض العبارة)، وأنا أتفق معه في ذلك تماماً :)
اسلوب الرافعي ولغته الشاعرية جعلتني في حالة من الذهول، أن تقرأ بقلبك وروحك أن ترى الجمال على هيئة حروف، وأن أشعر بأن قلبي يكاد يطير وقد نبت له جناحان يرفرفان إثر جمال ما قرأت.. وأن لا أود للكتاب أن ينتهي.. وأن ينتابني شعور بأني أود قراءته مرة أخرى حتى قبل أن أنهيه، هذا شعور نادر ليس لأي كتاب أن يفعل بي ذلك.
لغته ساحرة وملهمة، تحيطك بهالة من الشجون، ترى كيف يختار تلك العبارات والتشبيهات كيف يوغل بهذه البساطة إلى أعماقك، له روح شفافة وكلمات رقيقة وعميقة وتذوق رفيع للفن، وإحساس عالٍ بالجمال.
لم يكتفي بسحر لغته، وأسلوبه الإنشائي والبلاغي الرائع، هناك ما أراد إيصاله.. تسللت كلماته إلى ذلك الجزء الأيسر النابض في صدري.. إلى قلبي واستقرت فيه.. طرحه لأفكاره ونجواه وآراءة وما يدور في خلده وقلبه.. تحيطك بهالة من الجمال الإلهي.. لم يتخذ الكاتب موضوعاً محدداً، فما بين روعة الكلمات والمجاز، مازج الرافعي بين الحب ومواضيع أخرى من فلسفة ومنطق، وفي حديثه بين القلب والعقل، ورأيه في نظرة الملحد المعطوبة للحياة، وما يخالط القلب ويشوبه بعدم الرضا والسخط.. والأمور التي يعاني منها الإنسان فتسبب له آلام نفسية، إلى ضعف الإنسان، وعن الغنى والفقر، ووصف ما يعتلي بالنفس كشخص خبير، وحديثه عن الحب بأسلوب إبداعي لا متناهي، حيث إبداع الكلمات، إلى وصفه لجمال الطبيعة ونظرة الإنسان لها.. وغير ذلك الكثير.. جميعها شكلت نسيجاً مترابطاً، وشملت معنىً حياً تشعر به.
فعندما يسدل الليل ستاره، ويذهب الجميع لمضاجعهم بعد عناء يوم طويل ويخلو مصطفى الرافعي بنفسه يناجي القمر الذي هو قلب الليل وقد توسط السماء يضيء بجلال وهيبة، يتأمل ذاك السراج المنير وقد تتناثرت من حوله نجوم زينت السماء .. نراه تارة يناجي القمر ويحاكيه، ويبث له نجواه، وتارة يغازل الطبيعة ويصف محاسنها، ابتسامتها وروحها الندية، حتى تتصور في عقلك ذاك الخيال الجميل الذي يتأمل من خلاله الحياة.. ثم يبحر في تأملاته ويخوض في طرح آراءه وأفكاره في مواضيع شتى..
وماذا بعد أيها القمر.. تراقب البشر من بعيد بجلال .. ترى هل أنت صديق حميم للمحزونين، فتستمع لهم بجلال وهدوء يناسب مقامك وقدرك؟ كما اتخذك مصطفى الرافعي، ها هو يبثك نجواه وها نحن نقرأها على ضوءك وفي كنفك فتلهمنا كلماته .. أم أنت كما يراك العاشقون كوجه امرأة حسناء، يتغزلون بك وما فتأوا يشبهون محبوبتهم بوجهك النيّر، حتى لا يملون من النظر إليك؟ .. أم كما أمسيت أراك عجوز خبير وحكيم رأى البشر على مرّ العصور وخَبِرَهُم؟ .. أيّاً كنت أيها القمر العزيز، احنو على المحزونين وامسح على قلوبهم بلطف، وأعطنا من قصصك ما يهون علينا، أراك تعرف الكثير وصرت خبيراً بالبشر.. فاسرد علينا شيئاً من حكاياك..
قد يبدو الليل كئيباً إلا من نور ذلك الذي انتصف في كبد السماء ينشر بنوره على قلوبنا يبعث الأمل بسكينة، يربت علينا ويحنو يستمع إلينا بهدوء، يراقبنا ويطمئن علينا كأم رؤوم.. ثم يرحل عنا مع اشراق الشمس بهدوء وإجلال كعجوز خبر الحياة، لطيف أنت أيها القمر! لا أدري أأشكر القمر الذي كان الصديق الملهم للرافعي.. صداقة نتجت عنها تلك الكلمات.. أم أشكر الرافعي على كلماته التي ألهمتني بدورها!
ماذا عساي أقول، كل ما سأكتبه عن هذا الكتاب لن يوفيه حقه، ولن ينصفه، ولن يكون بإمكاني وصف جمال أسلوبه مهما كتبت، ولكني أقول لمن يبحث عن الأدب واللغة، مصطفى الرافعي هو مطلبك.. مع التنويه أن هذا الكتاب لا يقرأ بتعجل، وإنما إقراءه بتمهل، وكن حريص على اختيار الوقت المناسب .. لتصل لك روح هذا الكتاب وتلامس روحك. صحيح أني لم أنسجم بشكل تام مع الكتاب من البداية ولكني أعلم الآن كم كان مصطفى الرافعي عظيماً، وكم لكلماته أثر السحر على القلوب.. . .
جعلت لهذا الكتاب طقوس، ما كنت أقرأه إلا بعد بزوغ القمر في كبد السماء.. ولا أراه حين تطلع الشمس.، يختفي من بين يدي وترحل متعة قراءته أو هكذا خُيّل لي، فحديث الليل مختلف .. :)
أخبرني أيها الرَّافعي: أكان القمر يتحدَّث إليكَ أم كنتَ أنت الذي يتحدَّث إلى القمر؟ هل كانَ يبثُّك ولهه ببيانك حين كنت تفضِي إليه بمكنونات قلبك؟ وهل يكتُب عن القمر غيرَ الذِي يبادله القمر نفس الشُّعور بالإعجاب؟ أتدرِي؟ يخيَّل إليَّ أنَّ القمر -حين ينظرُ إلينا ونحن نطالعه بأعيننا المفتونة بجماله وبريقه الفضيّ الأخَّاذ- يرانا أقمارًا مصغّرة، أي أنَّ كلُّ واحد منَّا -مولعٌ به- هو -في الحقيقة- قمره، فكم يا ترَى من قمرٍ لك في الأرضِ يا قمرَ السَّمَاء؟.. أتُراني واحدة منهم؟
ممَّا لا شكَّ فيه -عندِي- أنَّ لبيان الرَّافعي وأسلوبه البديـع الفتَّـان قدرةً على إلهامي وجعلي أكتب أسطرًا عديدة عن ولهِي بالمعاني التي يهتدي إليها ويسطّرها على أوراقه بسلاسة ويسرٍ وعذوبة تخترق القلبَ وترويه بعد أن كان ظمآن عطشانَ يلتوي هنا وهناكَ بحثًا عن قطعة بيانيَّة تسقيه وتطفئ لهيب التّوق لبدائع البيان..
هذا ولا أجدُ نفسي إلا وأنا أعيدُ الأسطر التي قرأتها قبلاً.. مرَّة واثنتان وثلاثًا.. لا لشيء سوى أنَّ المعاني -بعد كل قراءة- تتفتَّح رويدًا رويدَا، كزهرةٍ ذابلة لا تزيدُها كثرة السُّقيَا إلا نضَارة وإشراقًا.. وهذا ممَّا أحبّه وأتلذّذ به في كتبِ الرَّافعي.. أنَّك كلَ��ما عدت لكتاب قرأته قبلاً لا تجِدُ نفسك إلا وأنت تقرأ معاني جديدة.. غيرَ أنَّه الكتاب نفسه.
حديث القمر ما هو حديث القمر؟ إنه ذلك الحوار الخلاَّب الذي يدور بين الرَّافعي والقمر.. يتميَّز بتنوُّع الأفكار والموضوعات، ودقَّة النّظر وسعة الإطلاع وعمق الفهم للواقع، بأسلوبٍ يأسر اللّبَّ ويحبسُ الأنفاس وينعش القلوب.💖
بعض الاقتباسات:
🍃 الجهل في الإنسان لا حدَّ له؛ فكلُّ ما ظفر به عدَّهُ حدًّا علميًّـا.
🍃 لست أشك أن لليقظة أحلاما. وإلا فما شأن الذاكرة إذن، وهل هي إلا بيت الأحلام؟
🍃 إن الله لا يُمسك عنّا فضله إلا حين نطلب ما ليس لنا أو ما لسنا له.
🍃 وويلٌ للإنسان الذي لا يكتفي بالله في سمائه حتى يستعبد لصفاته في أهل الأرض، فالجبروت في الملوك، والكبرياء في الحكَّام، والتقديس في القوانينِ عادلةً وظالمة، والعزَّة في القوَّة.. وماذا بقيَ لله ويحَك؟
🍃 ومتى كان هذا القلب جاهلاً بقي الإنسان بعلومه كأنه قطعة في أداة هذه الطّبيعة: كلُّ شأنها أن تحرّك بعضها وتتحرَّك ببعضِها.
🍃 ولستُ أصدق أنّ ملحداً يعمل لخير الناس ابتغاءَ الخير نفسه، فإن حدثوكَ بخبرٍ من ذلك فاعلم أنهُ يريد به الرجل بُرهاناً على صحة إلحادهِ الإنساني.. يخدع به من يقدم له الخير أو من يراه وهو يقدمه، فإنه لسخافته يكفر بالله ويريد أن يعمل بعض عمل الله.
🍃 يا شقاءَ الإنسانِ ويا ويله إذ يُرسل الله على قلبِه شعاع الرَّحمة والإيمان، ويأبَى من غلَبَت عليه شِقوته إلاَّ أن يُضرِم مِن هذا الشُّعاعِ الإلهي نارًا يُنضِج بهَا غذاءَ شهوتِه.
🍃 ولكنَّ الطَّبيعة في حسابِ الحبِّ مثلاً تعدُّ الحبيبينِ واحدًا، ولا تعدُّهما كذلك إلاَّ لأنَّهما اثنان!
"ان كل لفظة من لغة الطبيعة في تفسير معنى الحب كانها صلصلة الملك الذي يفجا الانبياء بالوحي في اول عهد الرسالة"
"فاذا قلت وجهها فهل تظن هذا اللفظ الذي هو جملة الجمال الا قمرا في الكلام واذا قلت ابتسامتها فهل ترى هذه الحروف التي تتنفس على القلب الا اشعة الفجر الندي واذا قلت هي فهل ترى الا ضمير الطبيعة التي تاخذ عليها الانسانية دينها اه لو تعلم ايها القمر من هي"
"لم يدعني ثغرها البسام اصعد الى السماء في شعاعه بل القى علي ابتسامة في نظرة ضاحكة تشابه الابتسام كان احداهما اخت الثانية فما احاطت بقلبي حتى رايته يذوب فيها كما يذوب السحاب الغدق الاسحم فيضفو عن غمامة رقيقة بيضاء وكان تلك المليحة اغارتك ايها القمر فانت الان تبتسم لله منكما يا صورتي الجمال في الارض والسماء وهل جعل الله لرجل من قلبين في جوفه" " "ان غضب الجميل نوع من جماله فلتغضب الطبيعة ولتتورد الوجنات وليتطاير السحر من اللحظات ولينبعث الصوت الصارخ الرهيب من الروح بدون ان يصفيه القلب ليكن ذلك وما اشبه ذلك من روعة الغضب فاننا نريد ان نبصر الحسن كيف يتحول في غضبه جليلا بديعا كما رايناه في الرضى لينا وديعا وكيف تظهر فيه الروح قلقة لا تطمئن كما ظهر فيه القلب يتأوه او يئن ونريد ان نرى ولو مرة واحدة انطباق صفتين جميلتين لم يفارقهما الابتسام فان ذلك منهما ولا غرو ابتسام جديد"
و ما دمعتي إلا النهرُ الذي نبَتُّ في شاطئه ، و هي أطهر شيء و أصفاه ، لأنها مخلوقة من ثلاثة عناصر تقابل العناصر السماوية من الحب الذي يقابل عنصر النار ، و من اللين الذي يقابل عنصر الهواء و من البكاء الذي يقابل عنصر الماء.
2#
فأني أرى أقوماً يحيَون بالدموع و آخرين يموتون بها
3#
أما الجمال الذي يُرضي فهو الذي يشُّفُ عن صورة روحك بغير ما يخيّلها لك ماءُ الحياة العكر.
4#
كلمتان هما تعريف السعادة التي ضلّ فيها ضلال الفلاسفة و العلماء ، و هما لغة السعادة نفسها ، لأن لغتها سلسة قليلة المقاطع كلغة الأطفال التي ينطوي الحرف الواحد منها على شعور النفس كلّها ، أتدري ما هما ؟ أفتدري ما السعادة ، " طفولة القلب " !
الكتاب من أصعب كتب الرافعي لأنه كتبها بطريقة رمزية .. لحبيبة التقاها في الشام .. والعجيب أنه كتب كل هذه الصعوبة الرمزية وهو ابن ٢١ سنة ! مما يدلك على أن عقله من النوع الجبار الخلّاق .. يتحدث فيه عن الحب وعن علل الشرق تجاه المرأة - النقطة الأخيرة منثورة ومختصرة- وأشياء عميقة دقيقة عن الرضى بالقدر .. والمصائب وفلسفتها .. الرافعي فيلسوف أديب كأنه حَربة من ذهب .. ولا يخلو الكتاب من تكلف في التشبيه وصعوبة في الوصف ..
لي معه قراءة ثانية ,, فقد استعصى عليّ قليلا كعادة الرافعي معي وكلي ثقة أن مثل هذه الحروف لن تبرح أن تلقي عليّ من سحرها في كل قراءةٍ جديدة فالأدب الرائع تكتشف أنه بالتكرار يزداد رونقا وجمالاً !
الرافعي ,, ذلك المعتد بنفسه الذي أراه كان قد أوشك أن يكون مغروراً سيدي ,, لكَ كامل الحق في أن تكون كذلك !
"وكم ناجاك أيها القمر من عاشق قبلي, فإنك ما انفصلت عن الأرض إلا ليجعل الله منك أفقا لآمال الإنسانية الجميلة, بل أنا لا أحسب عاشقا من لا يناجيك ومن لا يأتي بدموعه وأحزانه وهواجسه وآماله فينطرح في هذه اللجة التي ترسلها من شعاعك, وينغمس فيها ساعة ثم يخرج وكأنه جسم من نور يخفق في جنبه قلب كالنجم ويترك في نورك بقايا ظلمات نفسه الحزينة تراها السماء فترى بها كيف يكون ظل هذا القلب الإنساني المتألم؛ ثم تجمع أنت هذه البقايا وتدرجها في قطعة من شفق الفجر تشابه الدم الذي كانت تغتدي به من الحياة وتدع الزهرة الحسناء ترسل عليها نظرة من نظراتها الفتانة لتعرف أي ثمن من الأنفس والقلوب تشترى به في الأرض ابتسامة كابت��انتها في السماء."
هذه نبذة من كتاب الرافعي – حديث القمر..
الرافعي مدرسة في الأدب.. ومن فاتته مدرسة الرافعي فاته خير كثير...ولن تجد أديبا معاصرا يكتب في رقي وسمو أدب الرافعي أبدا... فهو أديب ناقد لغوي فيلسوف شاعر.... وكدت أن أقول "ساحر" أيضا.. ففي كلماته أثر ساحر يأخذك إلى عالم آخر لم تذهب إليه قبلا... و(إن من البيان لسحرا)..
لن أتكلم عن أسلوب الرافعي فليس مثلي من ينقده... وأدب الرافعي شاهد عليه وهو ليس بحاجة إلى مدح وإطراء...لكنني سأتكلم عن الرافعي والقمر..
يقول الرافعي:
"أيها القمر الذي لا يزال يشهد كل عاشقين آدم وحواء, لا يزال يبعث في كل دوعة من دموع الحب روحا نورانية من شعاعه تبث فيه أنفاسا من حياة الأحلام, وتجعل العاشق يرى كأن هذه الأحلام اللذة المؤلمة تنصب من أجفانه المغرورقة وهو يقظان لأن حبيبته الحسناء تبخل بها عليه وإن كانت أوهاما."
إذا هذا هو السبب الذي يجعل الرافعي يناجي القمر... فالقمر شاهد على كل حكايات الحب.. وكل آهات العشاق ومناجات الساهرين تحت ضوئه...
هناك عدة أمور يشترك بها الرافعي مع القمر:
أولها وأهما هي الوحدة.. فالرافعي عاش معطم وقته وحيدا بين كتبه وأدبه.. وثانيها هي الرقة والجمال.. وما أرى الوحدة زادتهما إلا رقة وجمالا... ثم إن الرافعي حزين .. وكذلك القمر.. هو حزين.. ولا أحد يمكنه القول بأن القمر سعيد... بل هو حزين منذ الأزل... لربما كان كذلك ليواسي غيره في كآبتهم وعزلتهم...ويشاطرهم أحزانهم ويشاركهم دموعهم...
لكن القمر أيضا كاتم جيد للأسرار.. فلا يفشي سرا ولا يفضح عاشقا... وهذا كله هو سر الصحبة القوية بين الرافعي والقمر...
في حديث القمر يسر الرفعي للقمر همومه والقضايا التي تشغل باله.. سواء كانت في الحب أو غيره؛ فهو يتحدث إليه عن الطبيعة وجمالها.. وعن فلسفة الظلم والاستعباد والفقر والغنى..ثم ينتقل إلى الحب والجمال والبكاء والدموع.. وله في هذه المواضيع فلسفة رائعة لا يجاريه فيها أحد..
أقتبس لكم بعض فلسفته في الحب:
"هكذا كتب على الحب أنه من تولاه فإنه يدعه على حال كأنه فيها روح لا جسم له, فمهما يصب من لذة أو ألم فإنه يتحول معه إلى اللذة والألم جميعا فيكون ألما لذيذا؛ ومن أجل ذلك خص المحبون من بين الناس بكثرة الشكوى, لأنهم يستلذون آلامها والعاشق الذي لا يستطيع أن ينفس من شكاته أو لا يجد من يستريح إلى بثه لاعج الشكوى الذي برح به إنما هو في الحقيقة المثال الإنساني الشاذ الذي يمكن أن يتعرض من ه العلماء معاني الجنون مع بقاء عقله, فهو المجنون العاقل."
ولا أجد أبرع منه في الوصف... وأقتبس لكم وصفه لفم محبوبته:
"ودون ذلك فم أصغر من فم الحقيقة, كأن في شفتيه الرقيقتين الحمراوين روح الدم؛ ولقد استدارتا على ثغر هو الكأس التي يسكب فيها حنين الروح ممزوجا بلهفة القلب معطرا بابتسامات العواطف الشريفة التي أزهرت في ربيع الغرام, ويرشف كل ذلك في قبلة لا يراها العاشق السعيد إلا روحا من الحب يؤتمن عليها ضميره الشريف."
كم كان الرافعي رحمه الله رقيقا حتى فاض قلمه عذوبة وجمالا.. وكم كان وحيدا حتى فاضت أساريره هموما وأحزانا... وكم كان قلبه جميلا حتى ندت عن قلمه أجمل الكلمات فأحالت ظلمة الليل سحرا وجمالا...رحمك الله يا رافعي لم تجد غير القمر لتشكي له همومك.. لم تجد مثله منصتا ولا مستمعا...
الكتاب يقع في 125 صفحة .. لكنه لا يقرأ كغيره من الكتب... فهو يفرض عليك جوا معينا من القراءة.. وستجد نفسك تقرأ العبارات مرة تلو المرة حتى تتشرب معناها ويستقر في نفسك أثرها..
حديث القمر... هو حديث الروح للروح... حديث تشف فيه النفس عن بشريتها وتنطوي تحت ظلال الحب والجمال..
يا الله علي سحر الكلمات وعذوبة الألفاظ وبلاغة العبارات وجمال المعاني وعمق التشبيهات وبحور الخيال 💙💙 .. من غير الرافعي القادر علي رسم لوحة عبر عبارته .. من غير الرافعي القادر عن اعطاءك أجمل الألحان باستخدام ألفاظه .. يناجي القمر وأنا أتنهد من مناجاته ، اعترف أن بعض الجمل لم أدركها ولكن الذنب كل الذنب عليه فكان عقلي غائبا في عا��مه الرقيق وليله المقمر .. حوار يجمع بين القمر والنفس والقلب والروح والحب ....
" ولقد نادمتك منذ الليلة يا صديقي بهذا الحديث ، فهل ثَملت فملت ، أم أنت قد مللت ؟ حاشا أن تكون كالأصدقاء في هذه الأرض تقدر فيهم آجالُ العواطف الرقيقة بالساعات فكأن الإنسان يقرأ في قلوبهم رسائل مُوجزة يفرغ منها قبل أن تفرغ أفواههم من كلمات التحية والتملق وغيرها من الأشواك اللينة التي أحاط لله بها هذا الورد من شفاههم … ولا يكون للرسالة منها حظ من إطالة النظر إلا إذا كان فيها هم يشغل النفس فيكون عمرها بمقدار اختبال الفكر فيها …! ماذا تبلغ العبارة من حب تخرج كل أنة فيه وكأنها صوت انقطاع خيط من خيوط الحياة في القلب ؟ وماذا تبلغ العبارة من حب يتألم صاحبه وهو يجهل سبب ألمه، فيحسبه بعض الحمقى يتألم بلا سبب وهو في رأي نفسه كأنه يتألم بكل أسباب الآلام . بل ماذا يبلغ الكلام من حب يجعل الحياة كأنها كلم�� رضى في شفتي الحبيبة ، ويجعل الحبيبة نفسها كأنها كلمة رضى في شفتي الحياة ؟ وترى ماذا تبلغ عبارتك أيها اللغويُّ من حب تتجلى به الحسناء الفاتنة على محب دنف يراها محاطة بأشياء لا يعرف ما هي إلا أنها تجعل لتلك الحسناء في عينيه مهابة الرجاء الذي يوشك أن ينقطع ، والخوف الذي يوشك أن يندفع ؛ وتظهرها له كأنها مثال لثورة العقل الإنساني الملتهب ؛ وتجعل ألفاظها ومعانيها ولمحاتها كأنها أضواء منبعثة من عالم روحي هو أقرب الأشياء وأبعدها، كتخيل الحقيقة والحقيقة نفسها ؟ ثم ماذا يبلغ شعرك أيها الشاعر من حب أنت تحتال على تمثيله بالشعور الذي تستوحيه من كل ما هو جميل في السماء والأرض لتصف بكل ذلك فكرًا في رأس رجل وعاطفة في صدر امرأة . ضع اللغات كلها في فم المحب ، فإن خفقة واحدة من قلبه ستجعلها كلها بلا تأثير كأنها صمت ناطق ؛ لأن هذا القلب هو الساحل الذي تقف عنده أمواج الألفاظ بطبيعتها أو بطبيعته ولو ترامت من جوانب هذا الخضم الذي يجيش بالحياة . ولا أرى غير شيئين لا يتخطى إليهما عقل الإنسان ولا تنالهما لغته، ما وراء القلب ، وما وراء الطبيعة . الحب ! إحدى كلمتين هما ميراث الإنسانية ، وهدية التاريخ ، والطرفان اللذان تلتقي عندهما السماء بالأرض . كلمتان ليس لهما من المعاني غير الحقيقتين الخالدتين : حقيقة الألوهية في الروح ، وحقيقة الإنسانية في القلب : هما الدين والحب . خرجا من الجنة مع آدم وحواء ، فكان الدين في تقوى آدم وتوبته ، وكان الحب في جمال حواء ودموعها . فيأيها القمر الذي أشرق لآدم وحواء ليلة هبوطهما فكافآه بكل ما قدرا عليه وهو ذلك الابتسام الذي يشبه نورًا منبعثًا من قمرين ، وبقيت فيه من يومئذ رقة الفضيلة ومسحة الجمال وجاذبية الحب وبقية من تلك التعزية الأنثوية التي لا تزال تحس بها أرواح العشاق في كل بقعة طلعت عليها من الأرض . أيها القمر الذي لا يزال يشهد كل عاشقين آدم وحواء ، ولا يزال يبعث في كل دمعة من دموع الحب روحًا نورانية من شعاعه تبث فيه أنفاسًا من حياة الأحلام ، وتجعل العاشق يرى كأن هذه الأحلام اللذة المؤلمة تنصبُّ من أجفانه المغرورقة وهو يقظان ؛ لأن حبيبته الحسناء تبخل بها عليه وإن كانت أوهامًا . أيها القمر الذي هو قلب الليل ممتلئًا من ابتسام النية الطيبة فلا يزال الليل رحيمًا حتى بالمجرمين وأهل الآثام ! أيها القمر الذي هو تاريخ النور على الأرض والذي يشرق على الطبيعة بجلال وهيبة وكأنه يرسل إلى هذه الأرض في كل شعاع نظرة ملك من الملائكة لتعزية قلب من القلوب المتألمة المحزونة . أيها القمر الجانح إلى المغيب في نسمات الفجر كأنه جناح الحب يخفق به في الفضاء على هواء عليل من الزفرات والتنهد ."
حديث القمر .. للرافعي [ غرض الكاتب ] هو إنشاء جيل يتمتع بالإحساس والذوق في تصوير المعنى ، وأن تكون الطبيعة الإلهام الأول للكتابة. [ الفصل الأول ] - الحديث إلى القمر ومناجاته ، أمر لايفعله سُوى المرهفين . - تحدث عن الدموع وأجاد صياغة هذه اللغة . - جمال الروح يفوق جمال الوجه ، وذكر حادثة ( الضبعه ) . - الناس لايعرفون الحب إلا من أوصافه وقد أسموه ( الحياة المعذبة ) . - قدرة الكاتب على ترجمان إحساسه بحبيبته ، لإنها تصبح إلهامًا له . - ختم الفصل الاول في بث رسائله العاشقة للقمر وأبدع في ذلك . [ الفصل الثاني] - بدأ هذا الفصل ببداية شاعرية ، وصف الـ " آه " في الطبيعة ، هذه الطبيعة الفطرة النقية في الإنسان عندما يحب ويطلق آهات العشاق . - تحدث عن الشعوب المستضعفه والدرهم ك مقياس في الدنيا والآخرة . - رجع للقمر في مناجاته ، وأن كان في الأرض عبودية شريفة فهو الحب ، والحب يختلف مقايسه وذكر أمثلة على ذلك مثل حب الطفل للعبته لأنه يرى فيها عنصرًا للعقل وهكذا تكون العبودية للحب الصحيح هي مبدأ للعبودية الصحيحه لله . [ الفصل الثالث ] - أن السعادة الحقيقة هم الأطفال ، لديهم لغة تختصر كل الشقاء وتذوبه في قالب التناسي وأن مهما ذكروا الفلاسفة والعلماء أنواع للسعادة ف إنهم يدسون اليأس فيها . - الغني والفقير ، أسهب في تفاصيل هذين النوعين من الأشخاص ، وأبدع في تصوير جشع الغني ، وأرسل رسائل أمل للفقير على شكل نصائح وتفقه في حاله ونعيمه . [ الفصل الرابع ] - تحدث عن الشعراء ، وأن القراء والمستعمين لاتستطيب لهم الطبيعة إلا بعد تفوه الشعراء والتمجيد للطبيعة . - مناجاة للقمر في نزوح تلك الغيمة الرمادية التي تنتاب النفس عند كل حين . [ الفصل الخامس ] - تطرق للملحد ، وجهله الفضيع والذي يحسبهُ علمًا . - ناقش أمور الطبيعة بطريقته المتميزة وقارنها بتفكير المُلحد . - المُلحد يقدم أعمال خير ، وهو كافر بعطايا الله . - انتهى بأمنية أ�� يكون للقمر يدين لتقذف الحجارة على روؤس الملحدين الجهلة . [الفصل السادس ] - تحدث عن القدامي كيف أنهم عبدوا الأرض وقدسوها ، ولم يستفيدوا منها . - المرأة هي الطبيعة الواحدة التي أحسنوا التصرف بها والتمتع بها . - وبعد مضي السنون ، دمروا الطبيعة ب مشاريعهم ولم تتبقى سوى المرأة . - انتهى بغزل الطبيعة الفاتنة . [ الفصل السابع ] - الطبيعة الباكية ، وكيف نخلق من هذا البكاء شرفة للضحك . - عالم الأطفال وعالمهم المرتبط بالماء والدموع . - الملحدون وفلسفتهم في هذا الكون وكيف أن المسلم ولو كان ساذجًا يكون أفضل منهم لإنه على الفطرة . [ الفصل الثامن ] - وجه المليحة الحسناء الرائعة ، ووصفه لجمالها . - قصيدة الشرق المريض المُذهلة . - تعريف الصداقة . [ الفصل التاسع والأخير ] - الفصل الشاعري الأخير ، عذبة مفرداته ، وذو شجون . - الحب ذلك الحرفين الذين يغيران نبض القلب بلا استئذان . - القمر ومناجاة العاشقين له ، أجمل وأصفى المشاعر تحدث في ذلك الوقت .
لم أستطع إكماله. اللغة لم تكن صعبة بالنسبة إلي، لكن الكتاب لم يكن سوى مجرد لغة. إن مما يدفع الناس لقراءة كتاب ما الموضوع، واللغة وهذا كتاب لغة. وحتى اللغة لم تجذبني. مليء بالفلسفة والأفكار التي تتوارد بشكل طبيعي جدًا على العقل، مُصاغة بطريقة عميقة وحسب. وتكرار وتداخل مواضيع تكرار وتضاخل مواضيع تكرار وتداخل... لا شيء ممتع إطلاقًا، حتى البلاغة متكلفة وغير ممتعة. لو كتب أحد المعاصرين كتابًا مثل هذا لأخذ الناس راحتهم في نقده طالما ابتعدوا عن أيقونة الأدب المقدسة "الرافعي" أعلم أنني حشرة أمام الرافعي وأن نصوصه غير مخصصة لأمثالي، لذلك لم أقيم الكتاب. ربما لو قرأته بحالة نفسية مختلفة لكان لي كلام آخر، لكن الآن لا.
This entire review has been hidden because of spoilers.
هو لا يستحق خمس نجوم فقط .. ولا حتى عشرة !! هو قمر بحد ذات !!! وأي كلام من كلامي سينصفه بعد أن قرأت ذلك السحر متجليا على هيئة كتاب . ما الرافعي هذا ؟! تأخذني كلماته إلى عالم اخر فلا أعود أشعر لا بزمان أو مكان وكأن لغته غير لغتنا ونظرته للامور غير نظرة البشر ! وأكاد أجن . كيف له أن يعبر عن أمر موجود لدى الجميع بتلك الطريقة الاسرة ! أقرأ الفقرة الواحدة ما يقرب السبع مرات وفي كل مرة أرى شيئا مختلفا ! . أكاد لا اتصور ما قد ينتج لو تجمع ثلاثة أشخاص على الاقل لقراءة نفس الفقرة . لتكدست الأفكار والتصورات والاسقاطات ، حقا ستكون جلسة مثيرة ^^ بحق أدهشني ذلك الكتاب !! ولو سألني احدهم عن فن الجمال والحب واللغة الرشيقة لقلت له عليك بحديث القمر:) ذكر الرافعي في البداية أن كتابه انما مرجع لدارسي البلاغة ، فهو لم يلجأ لتعليم البلاغة تلقينا ، انما سكب علمه على هيئة كتاب بصور عميقة مترفة البلاغة فاختار تلك المواضيع التي يلجا لها كل بليغ أو شاعر ومثّلها بتلك الأساليب الادبية الراقية . يتكون الكتاب من تسعة فصول تمتزج معا لتشكيل الفكرة الاساسية وهي المرأة او حب المرأة بطريقة منطقية جميلة لم تكن لتخطر في بال احد ! كيف تحدث عن الجمال والدموع وعلاقة الرجل بمحبوته . كما احببت حديثه عن العاشق المادي والذي يتعارض تماما مع الحب الذي مثله الرافعي بانه فكري أكثر منه مادي . لي معه قراءة ثانية بإذن الله ^^
"المبدأ الشريف للنفس، والفكر السامي للعقل، والحب الطاهر للقلب؛ هذه هي معاني الكمال الإنساني"
عند وصولي للصفحتين الأخيرتين من هذا الكتاب لم أُدرك دموعاً في عيناي من كثرة ما بدأت اُحس بالوِحدة بعد إدراكي أنني على بُعد أسطر معدودة من الانتهاء من عذوبة كلمات الرافعي. كان هذا الكتاب أحد الكتب التي أغلقتها في هدوء متردد لأنظر عن يميني وعن يساري وأُدرك أن العالم لم يتغيّر وأنه كما هو، اهتزّ كي��ني لكلمات وعبارات وتعابير وأوصاف والعالم كما هو.
..وِحدة
الرافعي له أسلوب يجعلك لا تقرأ الجملة مرة واحدة أو حتى مرتين، الكثير من الجمل أعتقد أنني قرأتها حتى خمس مرات، والكثير من الجمل وقفت كالبلهاء أمامها أحاول فهم المعنى العميق لعبارات الرافعي. وهذا طبيعي مع الرافعي. لغة الرافعي جعلت كلمة مثل "رائعة" تبدو مبتذلة قمة الابتذال، وبالتالي فإن كلماتي لن تُعبر عن جمال كلماته. فقد عرف كيف يسحق أفكاراً سطحية في مخيلتي ليستبدلها بأفكارٍ ومعانٍ أكثر عمقاً وأروع إبداعاً. مع الرافعي تُحس أنك تافه وأن الحياة التي يتكلم عنها حياةٌ أخرى ليست التي تعيشها أنت. كل شيء مختلف. ما أروع أن تدرك أسمى المعاني في سطور معدودة..
للأسف مهما طال الحديث عن هذا العمل العبقري فلن يوافيه حقّه لذا فسأكتفي بكتابة ما لم أستطع أن أنساه من هذا الكتاب:
"إن أريد إلا الغني الذي يعيش فقيراً ليموت غنياً"
"فمن لم يدرس طبائع القلوب المتوجهة في أنفاس أهلها لا يعلم قلبه شيئاً وإن كان رأسه مكتبة من العلوم"
“وأنتَ لا ترى أسعد الناس وأهنأهم بسعادته إلا ذلك الذي يجمع قلبه وعقله أن لا يصدر أحدهما من الآخر إلا راضياً مرضيّاً فترى في آثار عقله طهارة القلب وإيمانه وفي أثار قلبه إجادة العقل وإحسانه ولو كُشف لك عن بواطن الأنبياء لتجلّت لعينيك هذه الحقيقة ماثلة”
"أوَلا يستشعر الإنسان مما تزلزله مصائبه وآلامه أن روحه تتخطى مقرها في باطنه فكأنه يتزلزل بخطواتها"
"لعل الحكمة الإلهية لا نعطي للإنسان إلا مقدار يلائم طبعه، مخافة أن تفرط عليه أو تطغى إذا حمل منها مالا ينفق"
"أيتها الحقيقة لا يظفر بكِ إلا سُعداء الفطرة ، وماالطبيعة كلها إلا إيمان بك ودليل عليك. فلو خلص الإنسان من وهمه لخلص من همه ولعرف كيف يُقدر الحزن بسببه الحقيقي لا بالآمال المتوهمة التي زالت بوقوعه؛ قإن تقدير المصيبة بالأمل الذي كان يرجى لو لم تقع أمر لا يحتمل حداً، بل لايزال يتسع من ظنٍ إلى ظن حتى يهيج السخط في نفس الحزين، والسخط مع المصيبة مصيبة ثانية"
"هذه مقالة صرفت فيها وجهَ الحديث إلى القمر وبعثت إلى الكون في أشعة الفجر كلماتها.ولقد كان القمر بضيائه كأنه ينبوعٌ يتفجر في نفسي ، فكنت أشعر بمعاني هذا الحديث كما يشعر الظمآن اللهِفُ قد بلغ الري وتندّى الماء كبده فأحس بروحه تتراجع كأنما تخدرها قطرات الماء."
تلك كلمات الرافعي في مقدمة"حديث القمر"...والتي صاغها بفلسفته الخاصة...وحديثه الشاعري العذب...ومشاعره الإنسانية العميقة...بقالب أدبي رفيع...وإن كان في بعضها تشابيه نادرة، وصناعة بيانية جعلتني أعيد قراءة بعض الفقرات منه مرات ومرات..ولكن الصعوبة فيه كانت جزءا من متعتي...لأتحقق من المعاني التي سطرها...وما أعمقها!!!1
حديث القمر...أحاديثٌ نشرها على خيوط القمر...لامست شغاف قلبي...وأعادتني للذة الأدب العربي وجمال حرفه
الله الله الله أكاد أذوب من فرط رقة الكلمات البعض تسحره الرؤية والبعض تسحره الأصوات، وآخرون تسحرهم الكلمات وتمس شغاف قلوبهم فماذا اذا اجتمع جميعهم ويكون المرء لديه القدرة على التخيل والسفر بالعقل وعزل نفسه من مكانه وكانت الكلمات هى وسيلة المواصلات، ولكن ليس الجميع بتلك الخفة
واللحمدلله، فتلك الكلمات هى بصر الأعمى وأذن الأصم ولسان الأبكم مقتطفات "هكذا كتب على الحب أنه من تولاه فإنه يدعه على حال كأنه فيها روح لا جسد له, فمهما يُصب من لذة فإنه يتحول معه إلى اللذة والألم جميعا فيكون ألما لذيذا; ومن أجل ذلك خص المحبون من بين الناس بكثرة الشكوى; لأنهم يستذلون آلامها, والعاشق الذي لا يستطيع ان ينفس عن شكاته أو لا يجد من يستريح إلى بثه, إنما هو في الحقيقة المثال الإنساني الشاذ الذي يمكن أن يتعرض منه العلماء معاني الجنون مع بقاء عقله, فهو المجنون العاقل"
"فالحقيقة المطلقة كالحياة, حرب لا انتصار فيها على الموت"
"لعل الحكمة الإلهية لا تعطي للإنسان إلا بمقدار يلائم طبعه, مخافة ان تفرط عليه او ان تطغى إذا حمل منها ما لا يتفق"
"وما البليغ إلا ذلك الذي لا يستطيع أن يؤتيك طبائع الأشياء _التي تجعلها_ في غير صورها, ثم ان لا تعرفها من كلامه إلا في صورها, فكأنه ناسب بين قوتها وضعفك بصناعته وسحره, إذ يمازجها بخيال قوي كالعقل يوازن ضعفك, وحقيقة ضعيفة كالقلب توازن قوتها, وهو لا يتسلط على طبيعتها الا بتصوره, ولا يستهوي طبيعتك إلا بقدرته على ضبط النسبة بينك وبينها."
لا أدري إن كان لحالتي النفسية يد، لكني استثقلت (ظل) الكتاب. لم أستطع أن أجد في الكتاب ما يشد أو ما يفيد. كلام كثير لم أستطع أن "أتواصل" معه.
و لم يرُق لي سياق ذكره ل"أصحاب اللحى" و "المصلحين" غير مرة في الكتاب بشكل سلبي.
قد أعيد قراءته في وقت أصفى.
--
اقتبست:
"يضحك عالياً ملء فمه حتى ليخيل إلي أنه وُلد في يوم رعدٍ قاصف."
"لست أشك أن لليقظة أحلاما. و إلا فما شأن الذاكرة إذن، و هل هي إلا بيتُ الأحلام؟ ولكن هذا البيت لا تُقام فيه الحفلات إلا أثناء الليل، فيموج بأهله حتى ما يرى العقل إلا أشباحا متفرقة كأنها ما صفح عنه البلى من سطور كتاب قديم."
"و إذا لم تكن قادرا أن تنال ما تطمع فيه فلتكن قادرا أن لا تطمع فيما قُطعت عنك أسباب نيله، فإن غاية القدرة في الحالتين الرضى."
على الرغم من التقيييمات العالية للكتاب (أغلبها خمس نجوم) إلا أنّه لم يعجبني واستثقلته جدا . ربّما أقرب تعبير لرأيي حول الكتاب كما نقول بلهجتنا الدارجة: "برشة تفلسيف" لا يعجبني هذا الأسلوب: أقصد التوسع الكبييير في تشبيه التمثيل سيقول البعض أنني لم أفهم الكتاب نعم ربّما فأنا في أوّل الطريق للصلح مع لغتي، لكن لا أعتقد أنّ ذلك الإشكال فقد قرأت كتب عباراتها صعبة واستطعت فهمها ولم أستثقلها بهذه الطريقة. في الأخير أوّد التنويه أنه عند تقييمك لأي كتاب لا تدع العاطفة تأخذك وتقل كيف لي أن أخالف هذا الكم الكبير من النّاس فتمدح الكتاب في حين أنّه لم يعجبك.. فليكن لك رأيك الخاص
الكتاب هو فلسفة أدبية .. وما أجمـل نسيج عبارة الرافعي الأدبية وكثيرا ما أحسست خلال قراءتي لهذا الكتاب أن الرافعي يعرض قضايا هي في الظاهر بسيطة وبدهية لكنه يجلــّيها بطريقة تجعلكـ تقف مع نفسكـ لتفهمـ الأمور من زاوية رافعية
لأنه لا يوجد من يستحق أن نحبه بطهر على الأرض وجه الرافعي حبه للقمر باعتباره مثالاً للطهر والعفة والجمال لقد كان بالحقيقة يخاطب القمر باعتباره محافظاً على اللمسة السماوية التي خلقه الله عليها...لقد كان القمر رمزاً للسماء.....على أن الكتاب لا يقتصر على ذلك ..بل يحتوي الكثير من الحجج الفكرية والفلسفية والدينية، فنجده تارة يسخر من الملاحدة ويهدم مذهبهم انطلاقاً من نقطة فلسفية، وينتقل للحديث عن الفقر والغنى ومعايير المجتمع......الخ. الكتاب رائع وجميل ويحتوي الكثير من الأفكار المتنوعة والمصاغة بطريقة بليغة تثبت أنه قد استحق لقب أديب المسلمين عن جدارة تامة.
"إن الأرض لا تقدِّس البكاء، وكل دموع الناس لا تُبلُّ ظمأ النسيان، ولو انحدرت كالسيل يدفع بعضها بعضاً". (((((((( وآه إن في " ضمير الطبيعة " وفي المعنى المستتر في الهاء والياء لسراً من الحب تتجدد في الناس معانيه المُعضِلة كان فيه حياة غريبة تغذوه بتلك المعاني، فهو في علم الروح كالروح نفسها في علم الإنسان. (((((((((((( الرجل الإلهي الذي لا ينثني لأنه الحقُّ، ولا ينحرف لأنه العدل، ولا يَخاف لأنه البأس، ولا يضعف لأنه القوة، ولا يحيف لأنه الإنصاف، ولو تعلق به أهل الأرض جميعاً لمشى بهم مطمئناً لأنه في نفسه كقطعة من نظام السماء الذي يجذب الأرض في فضائها. (((((((((((((( ومن نكد الدنيا أنك لا تزال ترى المصلحين حيث ترى نفسك لا تفقدهم في مكان، ثم لا يزيد الأمر معهم إلا فساداً لأنهم مصلحون بالتشبه والتقليد أو بقوة الإرادة أو بإرادة القوة، وإن أحدهم ليريد أن يكون مصلحاً فيكون، ثم يبتغي أن يعمل عمل المصلحين فلا يبرح يبحث عن الفساد حتى يجده أو يُوجده، ثم لا يتخذ من ما يتخذ الأطباء في تجاربهم من العقاقير، فيسحق طائفة ويمزج طائفة ويذيب طائفة، كل هذا والشعب يقيه بنفسه من التلوُّث بالقذر كالبذلة في نطاق المتبذل، وهو دائب على أمره حتى تسفر التجربة عن مزيج ينظر فيه فيعرف من النظرة الأولى أنه عرقُ الخيبة التي تفصَّدت به من طول ما أجهدها في عمله. (((((((((((((((( ولو كانت روح كل محب لا تنتزعَ إلا بقُبلة ولا تفيض إلا مع الإبتسام ولا تجد قفل باب السماء هذا الفمَ الورديّ الدقيق، لتغّير نظام القلب الإنساني ولصارت كل نبضة من نبضاته كأنها خطوة واسعة في قطع المسافة بين الدنيا والآخرة، إذ يكون للحياة وقتئذ ما عهدناه من بغض الموت. ويكون للموت ما نعرفه من حب الحياة. ولو لم تكن في الأرض هذه الوجوه الجميلة لما صلُحت الأرض للحياة العاقلة ولا نشأ فيها عقل واحد يستطيع أن يجد دليلاً على وجود الله فإن تلك الوجوه الفتانة – بما تحوي من المعاني التي تشبه في إقناعها للنفس من النظرة الأولى ما تحويه أقوى البراهين المنطقية - إنما هي في الحقيقة الصفحات الأولى من كتاب المنطق الإلهي، واعتبر ذلك بهؤلاء المَلاحِدة الذين ينكرون الخالق فإن أخبثهم إلحاداً لا يكون إلا أشدّ الناس بغضاً لطهارة الجمال. (((((((((((((( فمن لم يدرس طبائع القلوب المتوهجة في أنفاس أهلها لا يعلم قلبه شيئاً وإن كان رأسه مكتبة من العلوم. ومتى كان القلب جاهلاً بقي الإنسان بعلومه كأنه قطعة في أداة هذه الطبيعة : كلُّ شأنها أن تحرك بعضها وتتحرك ببعضها، وفَقَد السلطانَ الحقيقي على الطبيعة نفسها، هذا السلطان لا يكون بالقوة التي هي غاية العلم، فالطبيعة على كل حالة أقوى، ولا يكون بالتسخير الذي هو غاية العمل، فالطبيعة حرة لا تذل، أبيّة لا تخضع، وإن ظهرت عليه الذلة والمسكنة فذلك في نظر الإنسان واعتداده ليس غير. (((((((((((((((((( اليوم الذي يكون فيه كل الناس عقلاء في الرأي يكون كل الناس مجانين في الحقيقة. (((((((((((((((((((((((((( وكما أن العصفور الصغير في ريشه اللين يكاد لخفته يكون روح الهواء الذي يحيط بالأرض، كذلك تكاد المرأة الجميلة في وَشْييها الناعم تكون روحَ العالم الذي تحيط به الأرض، وكل شيء في الطبيعة يجعله الناس من المسائل النظرية التي يختلفون فيها لأنها موضع الرأي، إلا جمال المرأة الرائعة الجمال، فهو وحده قاعدة التسليم في القلب الإنساني على الإطلاق، ويكاد الوجه الجميل يكون في بعض معانيه وجهاً حسناً للتوفيق بين الإيمان والإلحاد. والفكر نفسه يكون في كثير من الأشياء الجميلة أجمل منها لأنه روحها غير محدود في نفسه بالنظر ولا بالصفة الجميلة التي يحدُّها النظر، إلا الفكرَ في الحبيبة الحسناء، فإنها دائماً أجمل منه لأنها روحه ولأن هذا الفكر مهما اتسع لا يجد نفسه إلا محدوداً بجمالها. ((((((((((((((((((( ما رأيت كثلاثة أشياء لا تضبط إذا اندفقت ولا ترَدُّ إذا اندفعت: موجة البحر المضطرب، ودمعة الحزين اليائس، وإرادة الحبيبة الجميلة. (((((((((((((((((((((((( قيل لفيلسوف أملق حتى ساء عليه أثر افقر: من يدفنك إذا مت! فقال: من يؤذيه نَتنُ جيفتي!... وكذلك لا يدفن دموعك إلا من يؤذيه منظرها من أهل النفوس الرقيقة، فإنهم لا يحتملون أن يروا من عينك جيفة همّ تسيل بها وتَغزَى... وإذا أصبتَ في الناس من لم يتسبب لإرسال دمعةٍ من عين إنسان أصبتَ فيه من يهتاُجه منظر الدمعة في عين الإنسان. ((((((((((((((((((((((((((( آه! ليت الهواء الذي تتناثر فيه قبل الحسناء، وليت نسيم الصبح الذي يحمل إلى الغيب أحلامها- مما يمكن أن يُحرزَ ويُدّخر، إذن لكان في الحب شيء أسمى من الخلود نفسه، ولكن هيهات هيهات! فما رأيت كالمحب لا يملك من الماضي إلا ذاكرته، وهي مع ذلك تردُّ عليه لذَّات الماضي كلها حســــرات! وإن الظفر بزهرة ناضرة معقودة في غصن قد ذوى وتحاتَّ ورقه لأيسرُ منالاً من بقايا قبلة واحدة في ذاكرة المحب حافظةٌ نضرتها وعطرَها من أنفاس الحبيبة وريقها! هكذا كُتِب على الحب أنه من تولاه فإنه يدعه على حال كأنه فيها روح لا جسم له، فمهما يُصبْ من لذة أو ألم فإنه يتحول معه إلى اللذة والألم جميعاً فيكون ألماً لذيذاً، ومن أجل ذلك خُصَّ المحبون من بين الناس بكثرة الشكوى، لأنهم يستلذون آلامها والعاشق الذي لا يستطيع أن يُنفِّس من شكاته أو لا يجد من يستريح إلى بثِّه لاعجَ الشكوى مما برح به إنما هو في الحقيقة المثال الإنساني الشاذ الذي يمكن أن يتعرض منه العلماء معاني الجنون مع ب��اء عقله، فهو المجنون العاقل (((((((((((((((((((((((((((( ولو سألت تاريخ النفس الإنسانية عن كل أمر عسير مُشكل ثم سألتها عما هي المرأة الجميلة، لأصبت لكل سؤال جواباً يحسن السكوت عليه ولو تسامحاً، إلا جواب هذا السؤال فإن المرأة الجميلة هي يفهمه كل إنسان منها بنفسه، لأن الجمال المتسلط بطبعه والحب الخاضع بطبعه، قد جعلاها في الطبيعة تعريف نفسها! (((((((((((((((((((((((((((((((( وإني قد رأيت دوّامة الماء لا تلتوي عن تيار النهر إلا لتفتح لنفسها قبراً فيه، وإذا لم تكن قادراً أن تنال ما تطمع فيه فلتكن قادراً أن لا تطمع فيما قُطعت عنك أسبابُ نيله، فإن غاية القدرة في الحالتين الرضى، وأنت في أكثر ما تعاني إنما تتألم بأوجاع الناس من حيث يؤذي نفسك ولا تغني عنهم من شيء، فإنك لا تملك إلا نفسك، ولا تملك نفسك إلا فضائلها، وأنت على ذلك تجاري بآمالك أقواماً من الأغنياء هم أصابع الدنيا في كفيها وقدميها... لا يعرفون إلا فلسفة الحس ولا فلسفة لهم إلا أن كل حقائق الدنيا لو حللتها الفلسفة أو العلوم أو الأديان لألفتها على كل حالة حقائق ذهبية... هكذا اصطلح الناس كأن الله لايعطي ولا يمنع إلا بعد لأن يتواضعوا فيما بينهم على ما يسمّونه إعطاءً وحظاً مما يسمونه منعاً وحرماناً، وكأن ليس في الأرض غني عقيم بلغ من الدنيا ومن الكِبر ومن العقم جميعاً، ثم نظر إلى كنوزه العريضة ونظر معها إلى طفل يلعب في بيت رجل فقير ويملؤه الضحك فعرف من هذه الحقيقة الحية مقدار ذلك الوهم الميت الذي يسميه الغنى وكأن ليس في الأ{ض رجل ذكي عبقري لا يملك إلا عقله وهمة نفسه وهو مع ذلك لا يسرُّه أن تكون له بهما كنوز فَدمٍ غبي له من المال وبلادة العقل وصغر النفس مقادير يوازن بعضها بعضاً، وكأن ليس في الأرض محب دَنف يهوى غادة فاتنة وقد عرف ما هو الغنى في اصطلاح القلب كما عرفه الذكي في اصطلاح العقل وكما عرفه العقيم في اصطلاح النفس. إن الطبيب الحكيم لا يجاري العليل ولكنه ينظر إلى العلة، وإن الله سبحانه وله العزة لا يبالي باصطلاح الناس ولكنه ينظر مصلحتهم حين يعطي ويمنع، فليس في الأرض فقير قط إلا عند نفسه، ولو اطَّلع كل إنسان على الغيب لما اختار إلا ما هو فيه. (((((((((((((((((((((((((((((((( كل محبٍ يَرىَ له قلباً يخفق مع قلبه فكأنه يعيش فيها بقلبين يضاعفان اللذة والسرور في حياته ( أما أنا فليس لي من قلب يخفق بالهوى مع قلبي، حتى ولا قلبي يخفق معي ) ((((((((((((((((((((((( ها أنتِ اليوم يا زينة الآمال كالباب المهدوم بين الماضي الذي كان قصراً وبين المستقبل الذي هو من أنقاض هذا القصر، فما يرى الناظر من هذا الباب إلا كيف تنهدمُ الحياة وكيف يثور غبارها
"وأقبلت كل نفس شجية ترسل آمالها إلى نفس أخرى، كأن الآمال بينهما أحلام اليقظة."
ينقسم الكتاب إلى تسعة فصول سرد فيها الرافعي أفكاره إلى القمر وعبّر عن مكنونات قلبه وآرائه
الفصل الأول: وفيه كتب عن قدسية الدموع وكونها أحلام الأسى الفصل الثاني: استنكر الرافعي فيه استعباد الإنسان ووضح أن العبودية لله عز وجل وحده الفصل الثالث: عن السعادة، والفقر والغنى وكيف أن الفقير لديه من نعم الله الجمة وكيف أن الكثير من الأغنياء الذي يكتنزون الثروة سيقابلون الله بصفحاتٍ سوداء الفصل الرابع: عن الشعر، حيث انتقد الشعر الرديء ورجا القمر بالرحمة منه الفصل الخامس: بدأه الرافعي بالحديث عن روح المحب وثم وضّح الاختلاف بين طبائع القلوب ودروس العلوم وأسهب بالحديث عن الإلحاد وعن ضعف قلب الملحد الفصل السادس: عن نقص اللغة ومحدوديتها والفكر المادي الذي يمثّل العمى الطبيعي والذي يُقبّح ما هو جميل الفصل السابع: عن الحقيقة الإنسانية والهموم وعن القضاء والقدر، حيث دعا الإنسان أن يكون أكبر من همومه وأحزانه إذا استطاع الفصل الثامن: قبّح واستنكر شراء الجمال والسعادة ووصف ملامح المحبوبة مع توظيف عناصر الطبيعة مع أوصافها ونظّم أبياتًا شعرية عن الشرق المريض الذي-من وجهة نظره- يخدع بمقالات كثيرة لعل أحدها تُصيب الفصل الأخير: عن الأصدقاء ومعاني الكمال إنساني الذي يراها في "المبدأ الشريف للنفس، والفكر السامي للعقل، والحب الطاهر للقلب"، وعن عجز الكلام أمام الحب، وهنا يظهر توحد الرافعي القمر حيث أصبحا أصدقاء بل أكثر حين للقمر أنه منه
كان هذا الكتاب الثاني مع مصطفى صادق الرافعي، استمتعت بأسلوب السرد في الجمال البائس أكثر من هنا رغم تعدد مواضيعه واتساع فكره في "حديث القمر" ولكن أعتقد أن ما أفسد بعض متعتي هو كثرة التشبيهات الذي استرسل بها لدرجة أنه كان علي أكثر من مرة أن أُعيد قراءة جزئية معينة لأتذكر ما هو الشيء الذي كان يصفه
ايها القمر! ايها ��لقمر ! ليس شيء أقوى من الحق، ولكن الشريعة في يد الظالم تجعل الباطل أقوى منه ، وليس شيء أعنف من البغض، ولكن الجمال الذي يتولاه اصطلاح الناس يجعل الحب أقسى منه .
/ اي حُب هذا الذي فاض به الرافعي على القمر ؟ لا يمكن الاكتفاء من كلماته و نسيج ألفاظه المجازية من رحلة وحيدة ومبتدئة، سأعود لزيارة هذه الديباجة مرات و مرات .. من ذَا الذي يمل من حديث الرافعي؟ بالذات عندما يكون مخاطبه القمر !!
من أجمل ما قرأت هذه السَّنة، الرّافعيّ قامة بديعة، تتجاوز كل ما هو مألوف، أقرؤه و مع كلِّ حرف يزداد إيماني بالُّلغة العربية، كَأَنَّ نافذة ما بينك و بينه تُطلّ على البلاغة المصوّرة، و سِحر المعاني ما يمنع عينك أن ترِف و قلْبك أنْ يغفو و عقلك أنْ يحيد.. لغته قريبة من الرُّوح و هو يعرف تمامًا أين يقف على قلبك و لا يُغادرك..