What do you think?
Rate this book
80 pages, Paperback
First published January 1, 1969
قالها لنفسه و هو يبتسم ثم التفت نحو زوجته:أجل كان علينا ألا نترك شيئا
أتعرفين ما هو الوطن يا صفية؟ الوطن هو ألا يحدث ذلك كله.
بلى. كان علينا ألا نترك شيئا. خلدون. و المنزل. و حيفا. ألم ينتابك ذلك الشعور الرهيب الذي انتابني و أنا أسوق سيارتي في شوارع حيفا؟ كنت أشعر أنني أعرفها و أنها تنكرني. و جاءني الشعور ذاته و أنا في البيت هنا. هذا بيتنا. هل تتصورين ذلك؟ انه ينكرنا! ألا ينتابك هذا الشعور؟حتى الصورة صرنا لا نملكها
إنني اعتقد أن الأمر نفسه سيحدث مع خلدون. و سترين.
شعرت بفراغ مروع حين نظرت إلى ذلك المستطيل الذي خلفته على الحائط. و قد بكت زوجتي. و أصيب طفلاي بذهول أدهشني. لقد ندمت لأنني سمحت لك باسترداد الصورة. ففي نهاية المطاف هذا الرجل لنا نحن. عشنا معه و عاش معنا و صار جزءا منا. و في الليل قلت لزوجتي أنه كان يتعين عليكم إن أردتم استرداده أن تستردوا البيت. و يافا. و نحن .. الصورة لا تحل مشكلتكم. و لكنها بالنسبة لنا جسركم إلينا و جسرنا إليكم.عاجزون! .. عاجزون!.. مقيدون بتلك السلاسل الثقيلة من التخلف و الشلل.
كان عليكم ألا تخرجوا من حيفا. و إذا لم يكن ذلك ممكنا فقد كان عليكم بأي ثمن ألا تتركوا طفلا رضيعا في السرير. و إذا كان هذا أيضا مستحيلا فقد كان عليكم ألا تكفوا عن محاولة العودة .. أتقولون أن ذلك أيضا مستحيلا؟ لقد مضت عشرون سنة يا سيدي! عشرون سنة! ماذا فعلت خلالها لكي تسترد ابنك؟ لو كنت مكانك لحملت السلاح من أجل هذا. أيوجد سبب أكثر قوة؟ عاجزون! عاجزون! مقيدون بتلك السلاسل الثقيلة من التخلف و الشلل! لا تقل لي أنكم أمضيتم عشرون سنة تبكون! الدموع لا تسترد المفقودين و لا الضائعين و لا تجترح المعجزات! كل دموع الأرض لا تستطيع أن تحمل زورقا صغيرا يتسع لأبوين يبحثان عن طفلهما المفقود. و لقد أمضيت عشرين سنة تبكي .. أهذا ما تقوله لي الأن؟ أهذا هو سلاحك التافه المفلول؟
" تستطيعان البقاء مؤقتًا في بيتنا، فذلك شيء تحتاج تسويته إلى حرب "
إذا كان سكان حيفا قد ذاقوا مرارة فقدان الوطن فسعيد ذاق مرارة فقدان الوطن والابن.
وجد سعيد نفسه يوم الاحتلال يناضل للبقاء حي والوصول لأسرته الصغيرة صفية والرضيع خلدون وفي مكان آخر أخذت صفية تبحث عن سعيد ولم تشعر أن الأمواج البشرية تدفعها بعيدا عن رضيعها النائم وحده في سريره بالمنزل، وعندما التقى سعيد بصفية أدركا الكارثة وعلما أن قلبيهما تعرض لجرح غائر لن تنسيه لهما الأيام.
ويعود سعيد ومعه صفية في زيارة إلى حيفا فينتظرهما القدر بمفاجأة من العيار الثقيل جعلتهم يندما على قرار الزيارة، فقد قابلا دوف - خلدون سابقا - بعد أن تم احتلاله هو الآخر مع حيفا.
رواية قصيرة مليئة بالألم وقلة الحيلة وشعلة من المقاومة والنضال تحت جبال من اليأس والاستسلام.
أسرة فلسطينية تخسر أرضها وفلذة كبدها، وأسرة يهودية تعلم معنى الموت والاضطهاد ولكنهم ينضموا إلى صفوف المضطهدين، كيف يتحول من كان مهدد بالحرق حيا في أفران الغاز إلى مؤيد لقضية قتل أطفال؟! إفرات كوشين وزوجته قدما إلى حيفا وبقلوبهم إنسانية نتيجة ما قاسوه على يد الألمان وبقيت إنسانيتهما في تربية طفل رضيع لا حول له ولا قوة ولكن استقرار الحال من المحال يمر الزمن ويصبح ابنهما جندي من قوات الاحتلال.
حديث سعيد ودوف لم يكن حديث أب فقد ابنه ولكنه حديث عن قضية قائمة، قضية الاحتلال ومحاولة صبغه بصبغة شرعية، حديث مغتصب وضحية، حديث معتدي ومقاوم.
" سألت: ما هو الوطن؟ وكنت أسأل نفسي ذلك السؤال قبل لحظة. أجل، ما هو الوطن؟ أهو هذان المقعدان اللذان ظلا في هذه الغرفة عشرين سنة ؟ الطاولة؟ ريش الطاووس؟ صورة القدس على الجدار؟ المزلاج النحاسي؟ شجرة البلوط؟ الشرفة؟ ما هو الوطن؟ خلدون؟ أوهامنا عنه؟ الأبوة؟ البنوة؟ ما هو الوطن؟ بالنسبة لبدر اللبدة، ما هو الوطن؟ أهو صورة أخيه معلقة على الجدار؟ أنني أسأل فقط."
" لا شيء. لا شيء أبدا. كنت أتساءل فقط. أفتش عن فلسطين الحقيقية. فلسطين التي هي أكثر من ذاكرة، أكثر من ريشة طاووس، أكثر من ولد، أكثر من خرابيش قلم رصاص على جدار السلم. وكنت أقول لنفسي: ما هي فلسطين بالنسبة لخالد؟ إنه لا يعرف المزهرية، ولا الصورة، ولا السلم ولا الحليصة ولا خلدون، ومع ذلك فهي بالنسبة له جديرة بأن يحمل المرء السلاح ويموت في سبيلها، وبالنسبة لنا، أنت وأنا، مجرد تفتيش عن شيء تحت غبار الذاكرة، وانظري ماذا وجدنا تحت ذلك الغبار... غبارا جديدا أيضا! لقد أخطأنا حين اعتبرنا أن الوطن هو الماضي فقط، أما خالد فالوطن عنده هو المستقبل، وهكذا كان الافتراق، وهكذا أراد خالد أن يحمل السلاح. عشرات الألوف مثل خالد لا تستوقفهم الدموع المفلولة لرجال يبحثون في أغوار هزائمهم عن حطام الدروع وتفل الزهور، وهم إنما ينظرون للمستقبل، ولذلك هم يصححون أخطاءنا، وأخطاء العالم كله... إن دوف هو عارنا، ولكن خالد هو شرفنا الباقي…
ألم أقل لك منذ البدء إنه كان يتوجب علينا ألا نأتي .. وإن ذلك يحتاج إلى حرب؟ ... هيا بنا ."
" الإنسان في نهاية المطاف قضية، هكذا قلت، وهذا هو الصحيح، ولكن أية قضية؟ هذا هو السؤال! فكر جيدا. خالد هو أيضا قضية، ليس لأنه ابني، ففي الواقع...
دع تلك التفاصيل، على أية حال، جانبا... إننا حين نقف مع الإنسان فذلك شيء لا علاقة له بالدم واللحم وتذاكر الهوية وجوازات السفر...
هل تستطيع أن تفهم ذلك؟ حسنا، دعنا نتصور أنك استقبلتنا - كما حلمنا وهما عشرين سنة - بالعناق والقبل والدموع... أكان ذلك قد غير شيئا؟ إذا قبلتنا أنت، فهل نقبلك نحن؟ ليكن اسمك خلدون أو دوف أو إسماعيل أو أي شيء آخر... فما الذي يتغير؟ ومع ذلك فأنا لا أشعر بالاحتقار إزاءك، والذنب ليس ذنبك وحدك، ربما سيبدأ الذنب من هذه اللحظة ليصبح مصيرك، ولكن قبل ذلك ماذا؟ أليس الإنسان هو ما يحقن فيه ساعة وراء ساعة ويوما وراء يوم وسنة وراء سنة ؟ إذا كنت أنا نادما على شيء فهو أنني اعتقدت عكس ذلك طوال عشرين سنة "